في هذا الحوار يحكي بنسعيد أيت يدر عن مساره السياسي الطويل و الممتد لأكثر من 56 سنة بدءا من المقاومة و مرورا بالصراع مع المؤسسة الملكية بعد الاستقلال و سنوات العمل السري و انتهاء بخيار الإصلاح من داخل المؤسسات.
يصر المؤرخون المحترفون على التمييز ما بين الذاكرة والتاريخ، بالرغم من أن كلا منهما منتوج الحاضر بإكراهاته ومصالحه المتضاربة. إلا أن الأهداف والوسائل تختلف. فالذاكرة الفردية أو الجماعية مرتبطة بمسار الفرد أو المجموعة التي تفرزها، وتهدف عبرها إلى تملك ماض قريب أو بعيد، وتوظيف ذلك في صراعات الحاضر. فالمنتج هنا فاعل في الحقل السياسي أو الثقافي أو الرمزي. لذلك لا يمكن للذاكرة إلا أن تكون انتقائية في أحسن الأحوال. فقد تغفل أحداثا ووقائع، بعضها عن قصد. وقد تحجم دور بعض الفاعلين وتضخم آخرين. كما أنها في حالات محددة قد تنخرط بوعي في ما نسميه «غش الذاكرة»، فتختلف وتشوه وتهدف إلى التحريف. لذلك لا تعتبر الذاكرة تاريخا بل جزءا من المادة الخام التي يشتغل بها المؤرخ. فهي لا تحمل إلا وجهة نظر الناطق بها، وكيفما كانت مصداقيته، فطبيعتها تبقى جزئية وأحادية الجانب. أما التاريخ فهو جزء من الفكر الإنساني، ينتجه المؤرخ المحترف وفق منهجية أكاديمية تعتمد على تفعيل مفاهيم علمية مع مفاهيم متنوعة ضمنها ذاكرة الفاعلين.
صحيح أن المؤرخ المحترف يهدف إلى الشمولية وإلى بلورة خلاصات كفيلة بالصمود أطول مدة ممكنة أمام المستجدات النظرية والميدانية، إلا أنه واع بأن منتوجه سيراجع يوما ما. لذلك يحرص على توفير مادة مصدرية غزيرة، وعلى مقابلة مختلف الذاكرات التي يتوقف في اعتصارها، وعلى تنمية كفاءاته وقدراته المنهجية. فحواره مزدوج مع أقرانه في الحقل المعرفي ومع مادته المصدرية. لذلك لا ينزعج المؤرخ من كشف الفاعلين لذاكرتهم ومن تنوعها وتناقضها ونفي بعضها للبعض الآخر. فمادته المصدرية تزداد غنى، ومهارته المنهجية تجد المادة الضرورية لممارسة تضلعها، وبلورة حقيقة تاريخية أقل هشاشة مما تروجه الذاكرات.
حاوره إسماعيل بلاوعلي والمعطي منجيب والمصطفى بوعزيز
التتمة في العدد رقم 5 من زمان