يشتهر محمد شفيق بكونه عراب القضية الأمازيغية الحديثة في المغرب. الرجل، الذي يبلغ من العمر 93 عاما، مثقف ومفكر وله مسار طويل وحافل في مجال التعليم. يعود محمد شفيق، في هذا الحوار الحصري مع مجلة “زمان”، إلى مسيرته المهنية وإلى نضاله من أجل “تمازيغيت”، الذي خاضه دائما بالكثير من الشغف.
في أي سنة وفي أي سياق رأى محمد شفيق النور؟
ولدت يوم 17 شتنبر من عام 1926. بفضل جارة فرنسية، كانت تقطن بالقرب من بيت عائلتي، عرفت تاريخ ولادتي بالضبط. رأيت النور وسط قبيلة آيت صبين في منطقة تدعى بير طمطم، تقع في عمق البادية على بعد حوالي عشرين كيلومترا شرق مدينة فاس على الطريق إلى مدينة تازة. وقبيلة آيت صبين هي القبيلة الأطلسية الأمازيغية الوحيدة التي تقع على الضفة اليمنى لنهر سبو. لقد كان من حظي، عكس الكثير من أقراني، أن تكون لي فرصة ولوج مدرسة ابتدائية عمومية في قريتي. وفي الواقع، أنا مدين لعمّي الذي مكنني من هذه الفرصة على الرغم من دموع والدتي وجدتي، اللتين كانتا تعتقدان أن التعليم سيجعل مني “نصرانيا”.
في وقت لاحق، ولجت الإعدادية البربرية في مدينة أزرو، حيث أطلقوا علي اسم محند أو بنعلي، بدلاً من شفيق، وهو اسمي المدون في الحالة المدنية. بعد ذلك، فعلت المستحيل إلى أن اضطررت إرغام الإدارة على نقلني إلى مدرسة مولاي يوسف الثانوية في الرباط، حيث كان الأمر يتطلب تصريحا خاصا من رئيس منطقة فاس.
كان “كوليج” أزرو مخصصا للأمازيغ فقط…
نعم، وكان “الكوليج” ينهج أسلوبا خاصا جدا. كما تعلم، ربما، فقد بقيت جميع المناطق الأمازيغية في المغرب مجالا عسكريا طيلة سنوات الحماية الفرنسية. وهنا أذكر أني قضيت، في أزرو، أربع ساعات في السجن لأنني لم أوجه التحية العسكرية لقائد الدائرة. ويعود هذا الأسلوب الخاص، الذي اعتمدته سلطات الحماية الفرنسية تجاه الأمازيغ، إلى كون الأخيرين ظلوا يحملون السلاح طيلة ثلاثين سنة، من أصل 44 سنة التي خضع فيها المغرب للحماية. في زمن المقيم العام هوبير ليوطي، لم تكن هناك وطنية مغربية، لأن الماريشال عمل، بكل بساطة، على تفضيل أعضاء الطبقة الاجتماعية الذين أصبحوا، في وقت لاحق، وطنيين. يجدر أن أشير، هنا، إلى وثيقة منسوبة إلى ضابط فرنسي كتبها بعد معركة بين المعمرين وقبيلة آيت مكيلد في عام 1913، ويرد فيها على قيادته التي تساءلت عن أسباب إضمار هذه الفئة من السكان الحقد ضد العسكريين الفرنسيين. فكان جواب الضابط، وهو مؤرخ أيضا، أن السكان الأمازيغ يحقدون على الفرنسيين لأنهم كانوا على وشك الوصول إلى الحكم بعد عزل مولاي عبد الحفيظ، لكن تدخل فرنسا منعهم من ذلك. على هذا النحو، دعونا نتذكر أن أكبر السلالات الحاكمة في تاريخ المغرب كانت من الأمازيغ.
يستحضر التاريخ أن “الظهير البربري” الصادر في عام 1930 كان محفزا لبروز الحركة الوطنية المغربية. كيف ترى هذه الحلقة؟
يستحضر التاريخ الرسمي، بشكل منتظم، هذا الظهير البربري” عام 1930، كما يستحضر مظاهر الغضب التي كانت ستولدها هذه السياسة. والواقع، أن كل هذا مجرد سينما، بل أسطورة وطنية نشأت من الصفر ونسجت نفسها على المقاس. هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين قرؤوا “يا لطيف” في المساجد من أجل شفاء هوبير ليوطي. والمحزن أن حاملي ذلك الفكر الوطني لا يعرفون حتى وثيقة “الظهير البربري”. وحتى أزيد الأمر طرافة، أشير إلى أن كاتبة دولة سابقة، محسوبة على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حاضرت منذ وقت ليس ببعيد، في دروس للتاريخ في جامعة شعبية مفتوحة أمام الجمهور. وقد أرسلنا باحثين من الأمازيغ للحضور والمشاركة في النقاش. حضر أحدهم الموضوع المخصص لـ”الظهير البربري” حيث تم تكرار نفس الهراء ونفس الأسطوانات. وعندما حان وقت النقاش وطرح الأسئلة، سأل باحث أمازيغي الأستاذة المحاضرة إن كانت قد قرأت هذا الظهير من قبل. فأجابت أن علال الفاسي “العظيم” قد درسها لفترة طويلة، وتعلمت منه. اضطر الباحث الأمازيغي إلى تكرار سؤاله من جديد، لينتهي الأمر، في نهاية المطاف، بـ”قليلة الحظ” إلى الاعتراف بأنها لم تقرأ هذه الوثيقة أبدا، رغم أنها كانت موضوع محاضرتها.
حاوره سامي لقمهري
تتمة الحوار في العدد 64 من مجلتكم “زمان”