باشرت الحماية بعد عزل السلطان سلسلة من الإصلاحات كان ظاهرها تحديث المؤسسات، لكنها في الواقع كانت مجرد إصلاحات شكلية هدفها إيجاد غطاء مؤسساتي قانوني لكي تحكم الإقامة العامة السيطرة على مفاصل القرار.
كان عزل السلطان محمد الخامس بالنسبة لإصلاح نظام الحماية –حسبما كانت تتصوره الحماية– بمثابة إزالة السد أمام مياه موقوفة الجريان منذ أمد طويل. فقد تسارعت متدفقة من تلك الفتحة كل الإصلاحات التي كانت قد تجمدت وتراكمت خلال ست سنوات من الإضراب عن الختم. فاستولت الإقامة بجرة قلم على آخر مظاهر السيادة المخصصة إلى ذلك الحين للسلطان المغربي ومخزنه. وأصبح فرنسيو المغرب، الذين كانوا مجرد أجانب في الإمبراطورية، مواطنين مغاربة في الدولة الشريفة، أي أن معاهدة الحماية قد تم إلغاؤها عمليا.
هكذا، أقيم الدليل على أن حرب الظهائر التي كانت الإقامة ما فتئت تخوضها منذ مدة طويلة ضد محمد بن يوسف لم يكن لها من هدف سوى تعويض نظام الحماية بنظام سيادة مشتركة مفصل على قياس الجالية الفرنسية ورؤسائها، وهو ما أضفى مشروعية لا جدال فيها على المعارضة الشديدة التي كان محمد بن يوسف قد واجه بها هذه السياسة في الفترة التي كانت ما زالت تتظاهر فيها بتقمص مزايا الديموقراطية والتقدم.
تحييد بن عرفة
كانت إصلاحات سنة 1953 من صنع رجلين. أولهما دي بليسون الذي كان قد ساهم بنصيب لا يستهان به في تحديد أهداف انقلاب 1953 وفي تنفيذه على حد سواء .وثانيهما موريس كيرامان.
كان دي بليسون مدركا لقصر باعه في المسائل العربية. ولذلك، وجد في شخص كيرامان تعويضا لهذا النقص الذي لعله كان يتأسف عليه. وكان كيرامان وهو يحظى بثقة الوزير المعتمد ودعمه قد أحدث في إدارة الشؤون الشريفة لجنة من ذوي الأدمغة سرعان ما صار لها، ما دام أنها لا تتدخل في الأمور السياسية الحساسة، الكلمة العليا في موضوع الإصلاح.
سطيفان برنار
تتمة الملف تجدونها في العدد 64 من مجلتكم «زمان»