خلد الاتحاديون، نهاية الشهر الماضي، الذكرى الستين لتأسيس حزبهم الذي كان بمثابة شعلة أمل للمغاربة. ماذا تبقى من ذلك الحزب؟ ولماذا خبت تلك الشعلة؟
يحتفل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، خلال هذا الشهر، بالذكرى الستين لتأسيسه، وهي حدث هام يعيدنا إلى مرحلة مرجعية في التاريخ المغربي بصمها ميلاد الحزب الذي أسسه المهدي بن بركة والمحجوب بن الصديق وعبد لله ابراهيم وآخرون، بعد الاختلافات الحادة في وجهات النظر والتوجهات داخل حزب الاستقلال.
في ذلك الزمن، مثل الحزب أملا كبيرا، حيث جمع الحزب بين المثقفين والعمال. كان الحزب القريب من الشعب بعيدا عن صورة البرجوازية الحضرية الصغيرة التي كان يمثلها حزب الاستقلال.
مثل الاتحاد الوطني أولى المحاولات اليسارية في المشهد الحزبي بعد الحزب الشيوعي المغربي، كما مثل أولى الانقلابات التي نفذها شباب من داخل حزب سياسي مغربي. اليوم تفصلنا أزيد من ستة عقود عن هذه المرحلة، فما الذي تبقى منها؟
في الحقيقة لم يتبق الشيء الكثير. ففي سنة 1975 وبعد اغتيال عمر بن جلون وقبله المهدي بن بركة عام 1965، تحول الحزب إلى ما يشبه جسدا ميتا ورثه عبد لله إبراهيم بعد تأسيس الاتحاد الاشتراكي واختياره خطا إيديولوجيا واضحا بالتحول إلى الاشتراكية والتخلي عن الخيار الثوري، بقيادة عبد الرحيم بوعبيد، عبد الرحمان اليوسفي، محمد اليازغي، الفقيه البصري وآخرين.
عنى ذلك نهاية مرحلة السلاح والانقلابات وبداية شكل من “الديمقراطية” ستعرف لاحقا بالديمقراطية الحسنية، وهي لعبة سياسية ستجعل الاتحاد الاشتراكي يكبر في المعارضة رغم القمع الرهيب الذي تعرض له الحزب. ستون سنة بعد ذلك، يتصالح الاتحاد الاشتراكي مع تاريخه، أي مع الأب الشرعي له وهو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. الحذرون يرون فيها مجرد محاولة يائسة لاستعادة الشعبية بالنسبة إلى حزب لم يعد يحمل من “الشعبية” إلا الاسم. لأنه لم يسبق للاتحاد الاشتراكي في كل تاريخه (حتى في مرحلة الاتحاد الوطني) أن كان ممثلا بهذه الضحالة على المستوى السياسي، كما لم يسبق أن كان بدون تأثير على مجرى الأحداث وبعيدا عن قلب اهتمامات الشبيبة المغربية كما هو حاله اليوم. كما يقول المتوجسون، كذلك، إن إرث الاتحاد الوطني للقوات الشعبية هو ملك لجميع اليساريين المغاربة وليس فقط للاتحاديين.
لكنها تبقى ذكرى تستحق الاحتفاء رغم تغير السياقات بصعود الإسلام السياسي وتضعضع الاشتراكية. مع أمل أن تفرز هذه الذكرى الستون جيلا شابا جديدا وقوى جديدة داخل حزب ما يزال المغاربة يحتاجونه أكثر من أي وقت مضى.