يخوض فريق من المسلمين تجربة جديدة لإحياء الماضي بإعلانهم عودة الخلافة، ذلك العصر الذهبي في الوجدان الإسلامي. فهل كان عصرا مثاليا فعلا أم تجربة بشرية كسائر تجارب الحكم في التاريخ؟
يظهر «الخليفة» أبوبكر البغدادي من موقع «يوتوب»، في خطبته الأولى رمضان الماضي، كأنما يطل من القرن السابع الميلادي. في صورة مدهشة لاستعادة الماضي يعلن البغدادي عودة الخلافة بعد سنوات طويلة «من الجهاد والصبر»، وبعدما «ضيع» هذا «الواجب لقرون وغاب عن واقع الأرض فجهله كثير من المسلمين»، كما قال الذي نصب نفسه خليفة في ما سمي دولة الإسلام في العراق والشام.
يستحضر المتتبعون لظاهرة «داعش» عددا من العناصر الموضوعية لتفسير هذا التمدد السريع لدولة الخلافة الجديدة، فيتحدثون عن تواطؤات الدول السنية الحليفة للغرب في الشرق الأوسط مع مؤسسي «داعش»، في سياق الحطام الذي آلت إليه المنطقة والحروب المتواصلة هناك، ويشير آخرون إلى غنائم الجهاد من آبار النفط والأموال والنساء التي تسهل استقطاب الحالمين بعودة الماضي. ليست هذه المرة الأولى التي تظهر فيها حركة أصولية بهذا القدر من الجاذبية في فضاء ثقافي ما يزال مشدودا إلى الماضي، لكن بعث «الخلافة» بهذا الشكل ساهم ولا شك في تعزيز هذه الجاذبية ليصل عدد المهاجرين نحو الدولة الإسلامية إلى ما يفوق 20 ألف مقاتل، حسب تقديرات دول غربية، بينهم آلاف الشباب المغاربة.
إنه نداء سحري عميق ينبعث من القرن السابع الميلادي، نداء العصر الذهبي للإسلام، عصر «الخلافة الراشدة»، كما هي في أذهان المسلمين السنة. فالبغدادي يتكلم، تحديدا، عن تلك الخلافة التي ضاعت لـ«قرون»، وليس تلك التي سقطت مطلع القرن الماضي بسقوط الامبراطورية العثمانية. «لقد استقر الوجدان الإسلامي على تلك المرحلة الاستثنائية لينهل منها معنى ما، معتبرا أنها كانت امتدادا لـ«الميتاتاريخ» النبوي، المحاط بهالة روحانية، وأنها مثلت الحكم الحقيقي: حكم الخلافة الحق والشرعية»، كما يوضح هشام جعيط في مؤلفه «الفتنة، جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر».
بيد أن الصورة التاريخية للخلافة، كما يسعى جعيط وباحثون آخرون من حقول معرفية مختلفة لإبرازها، تظهر مختلفة تماما عن تلك الصورة المثالية التي استقرت في الوجدان الإسلامي السني عن تلك الفترة، بدء بالأصل الشرعي ذاته للخلافة كنظام للحكم، مرورا بسيرة الخلفاء الراشدين وأخبارهم، وانتهاء بالفتنة الكبرى التي أدت لضياع الخلافة الموسومة بالراشدة وظهور الملك الوراثي لأول مرة في تاريخ الإسلام.
إسماعيل بلاوعلي
التتمة في العدد 12 من زمان