كلما ذكر اسم أحمد المرزوقي، تذكر المغاربة فترة حالكة من المغرب الأسود، مغرب الاعتقالات والتعذيب وما يعرف بسنوات الرصاص. ارتبط المرزوقي بحادثة الانقلاب على نظام الحسن الثاني من داخل المؤسسة العسكرية، وقضى، على إثر ذلك 18سنة، من الجحيم، فضلا عن جحيم أسماه بمحنة الفراغ، أي محنة الخروج من السجن وتحدي الحياة من جديد. في هذا الحوار، يكشف الضابط السابق والكاتب أحمد المرزوقي قصة حياته بما تعكس عن مغرب ما قبل الاستقلال وما بعده، بكل تقلباتها وبكل آلامه وآماله.
هل تعبت من الحديث كل مرة عن تزممارت، وأين تكمن أهميته؟
لم أتعب من الحديث عنه، فملف تزممارت لا يمكن لأحد أن يدعي الإحاطة به. إنها أزيد من 18 سنة من المعاناة، ومن الصعب أن يدعي أحد معرفة كل جوانبها. ولو كان لنا كاتب في قامة نجيب محفوظ أو دوستويفسكي، لكتب مئات الصفحات عن بضعة أيام فقط داخل زنازينها. لذا، كنت أتمنى أن ينقل كل مسجون معاناته. نحن نكتب لا بدافع الحقد أو الضغينة، بل لكي لا يتكرر مثل هذا الملف مستقبلا. وقد تمنينا أن يستدعينا النظام ونفتح هذا الجرح، بشكل مكشوف وواضح، ونستدعي الذين كانوا ضد والذين مع، وكل الشهود لنبرز الحقيقة بدون مركب نقص. ففي كل الدول المتقدمة نجد صفحات سوداء ومخجلة من تاريخها، لكنها دول تتصالح مع تاريخها كيفما كان. تمنينا أن نضمد جراح الماضي ونفتح دائرة مستديرة ونكشف أمام المغاربة كل الحقائق بنية سليمة، وبهدف أن نقطع مع كل تلك الممارسات، وأنا لا أدعي الإحاطة بكل شيء، وإنما أنا شاهد بسيط من بين مئات الشهود الذين ينتظرون دور المؤرخين من أجل تمحيص الوقائع وكشفها، بين جملة من شهادات أخرى..
لنعد إلى أربعينات القرن الماضي، إلى نشأتك وولادتك… ماذا يمكن أن تخبرنا عنها؟
ولدت سنة 1947 في قبيلة بني زروال بنواحي فاس على الحدود مع الريف، التي اشتهرت بمقاومتها الكبيرة مع الأمير البطل محمد بنعبد الكريم الخطابي .وأذكر هنا بالمناسبة مجاهدا من المرازقة اسمه “أحبوق“ كان واحدا من أشرس المقاتلين مع الأمير، وكذلك المرحوم العياشي الغازي الذي أبلى البلاء الحسن في معركة “البيبان“ وكثيرين آخرين .ظلت هذه القبيلة مهمشة، بشكل فظيع، رغم أنها كانت مزار علم وحفظ للقرآن، ودافعا لساكنتها لتقدير مكانة التعليم والعلماء، فكان أبناؤها يتوجهون إلى القرويين بفاس لإكمال دراستهم. والدي سلك الطريق نفسه، ودرس بالقرويين وتخرج منها، فكان عدلا وناظرا للأحباس ووكيلا للغياب معينا بظهير ملكي، وخطيبا في مسجد غفساي .ورغم وقاره الكبير ومظهره المهيب، كان يعاملنا نحن أبناؤه بنوع من اللين والرأفة في عهد كان العنف فيه هو السائد والمهيمن…
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 88 من مجلتكم «زمان»