برز”أشياخ فاس”، خلال العصر الوسيط، كتنظيم اجتماعي-حضري في مدينة فاس، لحماية المصالح الاقتصادية والقيم الاجتماعية الفاسية، خاصة عندما تغيب السلطة السياسية.
ذهب ابن خلدون في “المقدمة“ إلى القول: «إذا نزل الهرم بالدولة وتقلص ظل الدولة عن القاصية احتاج أهل أمصارها إلى القيام على أمرهم والنظر في حماية بلدهم» .هذا الرأي هو الذي يُلفت الانتباه إلى مسألة “أشياخ فاس“، ويفسر بروز هذا التنظيم الاجتماعي الحضري في تاريخ المدينة، كونه نتج من حاجة المجتمع الفاسي إلى تدخلاته، إما في فترات سدّ فراغات السلطة السياسية، والنظر في عمليات الانتقال بين سلطة وأخرى، أو في مواقف مواجهة الدولة وممثليها، في اللحظات التي مُسّت فيها المصالح الاقتصادية والقيم الاجتماعية الفاسية، التي تشكلت وتطورت في مدى زمني طويل. اندلعت “ثورة شعبية“ بإحدى عدوتي فاس سنة 252هـ/ 866م، إثر دخول الأمير الإدريسي يحيى بن يحي «على جارية من بنات اليهود في الحمام». شكل هذا الحادث فرصة لأحد المشايخ العرب من بيت الجذاميين القيروانيين المستقرين بعدوة القرويين، وهو عبد الرحمان بن أبي سهل الجذامي، حيث اغتنم موجة السخط الشعبي في فاس، وسار على رأس العامة لفرض زعامته الميدانية وتنحية ذلك الأمير الذي دخل على اليهودية، ساعيا إلى قتله، ووضع حد لسلطة البيت الإدريسي في مدينة فاس. إلا أن الأمير الإدريسي فرّ هاربا من عدوة القرويين إلى عدوة الأندلسيين، و«مات (…) فقعة وندامة لما صنع بنفسه وما وقع فيه» .فماذا حدث بعد ذلك؟ حرصت زوجة الأمير الهالِك على إنقاذ سلطة الأدارسة بالمدينة، ووضع حد لنفوذ الزعيم العربي داخلها، حيث كتبت إلى أبيها الأمير علي بن عمر بن إدريس الثاني تعلمه بحادثة الحمام، و«ثورة عبد الرحمان بن أبي سهل بالمدينة» .أمام تطور الأحداث، سارع علي بن عمر بجيوشه إلى مدينة فاس، «فدخل عدوة القرويين (…) على الثائر بها».
محمد يوسفي
تتمة المقال تجدونها في العدد 128 من مجلتكم «زمان»