جعل السلاطين والأمراء الموحدون من الاحتفالات والاستقبالات الرسمية مناسبة لاستعراض القوة والهيبة، وأيضا للإنصات للمظلوم من شطط رجالهم.
شكلت الاحتفالات والاستقبالات الرسمية، خاصة منها تلك التي كانت لها علاقة بمراسيم تقديم البيعة أو تجديد الولاء أو تلك التي كانت مرتبطة بالاحتفالات الرسمية للخلفاء أو الأمراء، من أهم المظاهر التي كانت تعبر عن علاقة السلطة السياسية الموحدية بالمجتمع.
تمت أول إشارة عن هذه الاحتفالات والاستقبالات الرسمية بمدينة سلا، عام 1151م، وقد حدث ذلك عندما تم توجيه الأوامر من طرف الموحدين الى أهل إشبيلية وقرطبة وبلاد غرب الأندلس، فجاءت نخبة منهم إلى المدينة من أجل تقديم البيعة للخليفة عبد المؤمن.
لا يمكن تفسير تقديم البيعة من طرف ساكنة سبق وأن أعلنت خضوعها رسميا للدولة إلا بمحاولة تأكيد التبعية الأندلسية للموحدين، وذلك تلافيا واتقاء منهم لأي إجراء عقابي يمكن أن يلحقهم من طرف الحكام المصامدة. ولعل ما يعطي لهذا الاستنتاج مصداقيته، ما ظهر على هذا الوفد من حالة الخوف والرعب عند لقائهم بالخليفة عبد المؤمن أثناء مراسيم الاستقبال بمدينة سلا. فقد تم إرغام الأندلسيين على البقاء خارج المدينة، ولم يأمر الخليفة أعضاء هذا الوفد بالدخول بالسلام عليه إلا مع مطلع سنة 1151م. ويتضح أن هذا اللقاء كان فرصة مواتية للنظام الموحدي من أجل تمرير خطاب العنف في صفوف أهل الأندلس عامة ونخبتها خاصة، وقد عبرت نصوص المرحلة عن ذلك بشكل صريح، مما جعل من هذا الاستقبال الرسمي مناسبة للترويج والدعاية لخطاب عنف أجهزة الدولة ليصل صداه إلى كافة مناطق نفوذ الموحدين.
محمد العمراني
أستاذ باحث في تاريخ العصر الوسيط بالمركز الجهوي لمهن التربية بمكناس
تتمة المقال تجدونها في العدد 80 من مجلتكم «زمان»