كانت بداية ظهور أولى الأغاني الاحتجاجية، مع بدايات التوغل الاستعماري في المغرب، ثم تطورت باختلاف الظروف والسياقات.
ارتبط الغناء والإنشاد بالإعلاء من شأن المقدس ليتحول، ببطء كبير ومع مرور الزمن، إلى الإعلاء من شأن الطغاة والحكام الذين تولوا مهمة النيابة عن الله في الأرض .تحول الغناء إذن من شكر القوة، التي يعتقد أنها مانحة الكون والحياة، إلى مدح القوة التي تستبد بالسلطة على الأرض. وبما أن الغناء ارتبط، في جزء منه، بالمديح فإنه يحمل حتما في طياته إمكانية الهجاء أو التجريح أو الاحتجاج. وبما أن الموسيقي أو المغني يعيش تحت حماية قوة أو سلطة حاكم ما، فإما أنه يمدح ولي نعمته، أو أنه يهجو عدو السلطة التي يعيش في كنفها. هناك بالطبع مغنون يجوبون الفيافي ولا ينتسبون لأية سلطة بعينها، وهم بهذا مهابو الجانب من طرف الحكام مخافة أن يكونوا في يوم ما ضحية هجائهم وتجريحهم. كان هذا النوع من المغنين المسمى ،(Griot) يجوب مناطق إفريقيا الغربية، بل كان يوجد أيضا بالصحراء المغربية إلى حدود واد نون. يصدق هذا على المغني كما يصدق على الشاعر؛ ولعل لنا في المتنبي خير مثال حيث كان يهجو كل من لم يسبغ عليه من ماله وكرمه. حدث هذا مع كافور الإخشيدي حاكم مصر. ولم يكن المتنبي وحده يقوم بهذا، بل هناك شعراء كبار كانوا في خدمة من يدفع أكثر من غيره، ومن تكون له سلطة حماية حياة الشاعر أو المغني. لكن المغني والرسام كانا يعيشان تحت وطأة البطش أكثر من غيرهما .لقد دأب الأمراء على فقأ عيني الرسام، حتى لا يعيد رسم ما أنجزه في قصر أغيرهم، وكانوا يقطعون ألسنة المغنين حتى لا يقومون بهجائهم. بهذا المعنى، كان المغني محكوما بالدفاع عن ولي نعمته، وهجاء عدو أميره.
موليم العروسي
تتمة المقال تجدونها في العدد 119/118 من مجلتكم «زمان»