لم تكن التمثلات، التي شكلها إسبان المنطقة الخليفية عن المغاربة، موضوعية أو بريئة، بل تحكمت فيها منطلقات إيديولوجية وأبعاد ظلت قريبة من الذات.
يقتضي البحث في واقع التعايش بين الإسبان والمغاربة في فترة الاستعمار أو الحماية، من وجهة نظر الإسبان الذين عاصروا تلك الفترة الزمنية، وعايشوا أحداثها في منطقة نفوذ الاحتلال الإسباني، والتي عرفت بالمنطقة الخليفية، الخوض في استقراء صور التعايش التي ترسخت في الأذهان والضمائر. ولن تكون تلك الصور في منأى عن الإشكالات التي يطرحها كل تذكر واسترجاع، فنحن نعرف التأثير الذي يمارسه الحاضر في الماضي عند مباشرة إعادة بناء الذاكرة. كما أن معظم تلك الصور استندت إلى شهادات شفهية، ويتأثر التأريخ الشفهي تأثرا كبيرا بالتجارب المعيشية الشخصية وبالسياق السياسي للحظة التذكر. فذاكرة العلاقات الإسبانية المغربية إبان الحماية تخضع في تشكلها لعوارض النسيان ولآليات إعادة البناء التي تنتقي أجزاء الصورة الملائمة لبناء سردية خاضعة بدورها لسياق تاريخي محدد .ومن ثم، لن يمكننا الحديث عن صورة واحدة للتعايش بين الإسبان والمغاربة إبان عهد الحماية من منظور الإسبان، وإنما هي صور عديدة، يحكمها سياق تشكلها التاريخي، وبعدها الشخصي الإنساني، ومنطلقاتها الإيديولوجية.
مثلما أن الحدود الفيزيقية تخضع في إقامتها لمقتضيات الجغرافيا، فإن الحدود الإيديولوجية تقام وفق مفهوم المغايرة، حقيقية أو متوهمة، تعضد هوية الجماعة أو المجتمع المعني. ويمكن لتلك المغايرة أن تحمل مظاهر إيجابية قائمة على التبادل والإثراء الثقافي، لكنها يمكن أن تحمل أيضا مظاهر سلبية قائمة على الإقصاء والتناقض.
مصطفى الورياغلي
تتمة المقال تجدونها في العدد 103 من مجلتكم «زمان»