توالت الهزائم الدبلوماسية والعسكرية بشكل متسارع خلال النصف الثاني من القرن 19 لتسفر عن الهزيمة الكبرى للمغرب بخضوعه للتقسيم والاستعمار، وفشل الإصلاح.
حاول السلطان محمد الرابع في أعقاب هزيمة إيسلي سنة 1844 مباشرة إصلاح عسكري، ضمن مجموعة من الإصلاحات التي فرضتها الهزيمة. لكن قطار التقدم كان قد بلغ مدى بعيدا في شمال البحر الأبيض المتوسط. بفضل سلسلة من الثورات الاقتصادية والفكرية كانت دول مثل فرنسا وانجلترا وغيرهما من بلدان أوربا الغربية، قد أصبحت قوى توسعية بجيوش وأسلحة وتنظيمات عصرية لم يعهدها المغاربة. أصبح أفق مغرب القرن 19 مرهونا ببلوغ مستوى الخصوم لمحاولة رد أطماعهم، من خلال «الإصلاح». إصلاح الأذهان وتنظيم الدولة ونظام الإنتاج والدفاع.
كان هامش المناورة ضيقا للغاية، إذ يجب في نفس الوقت صد أطماع الخصوم وبلوغ مستوى ما أضحوا عليه من رقي. بينما يملك الخصم امتياز المبادرة ويجد المغاربة أنفسهم في كل محطة من دوامة الانهيار هاته مضطرين فقط لرد الفعل. فضلا عن المهمة الأصعب المتمثلة في إقناع المستفيدين من أوضاع مريحة، بإجراءات وأفكار جديدة لا تخدم بالضرورة مصالحهم. حتى أن محمد الرابع «اضطر للاستعانة بعالم دين هو الفقيه الكردودي أمره بكتابة مؤلف «كشف الغمة»، لتبرير الإصلاح العسكري على أساس تقليدي في ظل وضع يسوده التقليد»، كما يشرح ذلك المؤرخ عبد لله العروي. عرقلت التعويضات الباهظة، التي فرضتها اسبانيا على المغرب عقب حرب تطوان سنة 1860، هذا المشروع الإصلاحي رغم إصرار السلطان على المضي في إرسال هؤلاء الجنود للتدريب في الخارج.
مأزق السلطان
واصل الحسن الأول على نفس منوال سلفه مقيما نظاما جديدا للتجنيد، ترسل بمقتضاه كل مدينة وجهة عددا محددا من الشباب للالتحاق بالعسكر في كل سنة، ما مكن من تشكيل جيش يقدر عدد أفراده بحوالي 25 ألف رجل. بالموازاة مع ذلك استمر عجز ميزانية الدولة بسبب كلفة الإصلاح والاستنزاف الذي مارسه الأوربيون من خلال تعويضات حرب تطوان وفوائد القرض البريطاني وخفض الرسوم الجمركية على الواردات التجارية من أوربا. اضطر المخزن للاعتماد على الدبلوماسية لمواجهة الضغوط المستمرة، فدخل في دوامة من التنازلات فرضت على السلطان عبد العزيز عدم استخدام السلاح في مواجهة الأوربيين، ليجد نفسه في مأزق خطير. «كان السلطان الشاب (عبد العزيز) مخيرا بين أن يعلن الجهاد، أو يتفاوض حول وضعية الحدود. إلا أن الاختيار الأول يؤدي إلى الانتحار العسكري، والاختيار الثاني يؤدي إلى الرفض الشعبي»، كما يوضح ذلك روس إ دان، في معرض حديثه عن التوسع الفرنسي شرق المغرب انطلاقا من الجزائر مطلع القرن 20.
إسماعيل بلاوعلي
تتمة المقال تجدونها في العدد 4 من مجلتكم «زمان»