الانتفاضة ظاهرة اجتماعية وسياسية حديثة. هي وسيلة للاحتجاج، ولفْت الأنظار عن وضع وحالة، والتعبير عن مطالب، قد تكون قطاعية، وقد تكون ذات بعد محلي، أو سياسية ذات بعد وطني.
تتأرجح الانتفاضة ما بين طابع عفوي، وفعل مدبر، تخضع لأجندة سياسية، أو فعل عفوي يتطور، ولكنها تقوم على عناصر موضوعية. وقد تبدأ بتظاهرة مرخصة، من قبيل مظاهرات، أو إضراب، وتجنح بعدها، وقد تخرج عن إطار القانون. هي امتحان قوة، وغالبا ما ترُدُّ السلطات بقوة أكبر، لتقطع دابر الانتفاضة وتفُتَّ من دعاتها .تُغير الانتفاضة طبيعة العلاقة ما بين السلطة والمحكومين، وتغير غالبا البارديم القائم، إيجابا أو سلبا، انفتاحا أو تصلبا، وتدفع بنخب جديدة، وتنهي أخرى، لكن هذا موضوع يدخل في اهتمامات علم السياسة أكثر منه التاريخ. نقف عن بعض الانتفاضات التي طبعت مسار المغرب الحديث، وخلخلت البُنى القائمة. في سنة 1937 بمناسبة زيارة كاتب الدولة الفرنسي دلاديه مع المقيم العام الجديد نوغيس، إلى مراكش، انتفض أصحاب الحرف، وقد هدّ منهم دخول المنتوجات الصناعية التي غدت تهدد قطاعهم، فضلا عن الضرائب المفروضة عليه، بيد أن تلك الانتفاضة لم تكن لتكون من دون تحريك عناصر من الوطنيين. وانتفض ساكنة مكناس جراء تحويل وادي بوفكران (أو انتفاضة الماء الحلو، كما تُعرف)، لصالح ضيعات المعمرين، حدث ذلك في يومي 1 و2 سبتمبر من السنة نفسها…
لكن سياق ما بعد الحرب العالمية الثانية وخطاب التحرر، أعطى للانتفاضات بعدا آخر، سياسيا بالأساس، حتى ولو وظف مطالب قطاعية .في ديسمبر ،1954 أضرب العمال احتجاجا على اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد، وهو ما واجهته السلطات الاستعمارية بالبطش. وفي 20 غشت، انتفض الأهالي من السماعلة والمناطق المحيطة بواد زم بمناسبة الذكرى الثانية من عزل السلطان سيدي محمد. انهال المواطنون على ضيعات المعمرين، وعلى بعض الفرنسيين، في هوَج، لم يسلم منه أبرياء، وردت السلطات الفرنسية ببطش شديد، واستعملت الدبابات بل حتى الطائرات ..كانت أحداث واد زم تحولا، لأنها أثرت في تعامل السلطات الفرنسية، ليس فقط على مستوى الإقامة العامة، بل على مستوى الحكومة الفرنسية، بتغيير النظرة إلى المغرب، أو مواكبة مطالب الوطنيين، لأنه من السهل التفاوض مع بورجوازي فاس، كما قال إيدكار فور، رئيس المجلس، على التفاوض مع بروليتير الكاريان سنترال، ويُستحسن من منظور فرنسا تبني المقاربة التونسية، الاستقلال في ظل الترابط، من أجل التركيز على الجزائر التي كانت تعتبر مقاطعة فرنسة، بل ربط الصلة مع السلطان المخلوع سيدي محمد بن يوسف في منفاه بمدغشقر، وهو ما عجّل بعودته 16 نونبر 1955) ، ومن ثمَّ استقلال المغرب 2 مارس .(1956
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 135 من مجلتكم «زمان»