اعتمدت الدول المركزية، التي توالت على حكم المغرب منذ عصر الدولة الموحدية، على اعتماد مجموعة من القواعد والضوابط التي تحدد سلوك الحكم في ارتباطاته مع الرعايا، وأيضا في علاقاته مع الدول الأجنبية .هذه القواعد والضوابط أصبح يُعَبر عنها، منذ مدة، بـ”بروتوكول”، وهو مصطلح إنجليزي، ومن بين معانيه “نظام المراسم” .وقد كان الحكم المغربي، ككل بنية سلطة، يعتمد مراسم، مفردها رسم ، ترتبط بقواعد متواترة. وكانت تلك المراسم أو البروتوكولات تختلف وتتعدد في يوميات سلاطين العصر الوسيط، سواء كانوا داخل القصر أو خارجه. وتأتي ”البيعة”، باعتبارها الفصل الأول من الإعلان عن التعاقد بين الحاكم والمحكوم، في صدارة تلك البروتوكولات، قبل أن تتفرع إلى “تراتبية الجهاز الحاكم”، و”تربية أبناء الحكام”، ونوع لباس السلطان وطريقة لبسه، وآداب «الاستقبالات الرسمية، سياسية كانت أم دينية أم غيرها»، و«المظاهر المرافقة لركوب السلطان، سواء كانت مادية أم رمزية». غير أن السلطان السعدي أحمد المنصور سيفوق كل من سبقه، باعتماد شارات حكم جديدة ميزت عهده، بعد أن «أصبحت خزائنه مليئة بغنائم الحرب». وهكذا، رسخ طقوسا مخزنية، ”لم يعمل السلاطين الذين جاؤوا بعده إلا على تقليدها”. وتبعا لذلك، «ظلت الطقوس المخزنية متوارثة، يسهر عليها سدنة من الدار». وكان الملك الحسن الثاني، في بداية حكمه، قد فكر في أن يُقعّد لهذه البروتوكولات المخزنية، واستدعى خبيرين من إنجلترا لهذا الغرض .لكن حين اطلعا على تفاصيل “الطقوس المخزنية”، نصحاه بإبقاء الأمور كما هي عليه من غير تقعيد.
يتصدر بروتوكولات حكام الدول المغربية المركزية خلال العصر الوسيط، تلك المرتبطة بالبيعة، لكون البيعة هي بداية التعاقد بين الحاكم والمحكوم، والتي تمنح الأول شرعية ممارسة حكمه على الثاني. من بين نماذج بيعة الحكام في مغرب الدول المركزية، تلك المتعلقة بالخلفاء الموحدين، حيث كانت الوفود تقدم على الخليفة، في المكان الذي يقيم فيه، ليس بالضرورة عاصمة الدولة، فيُسمح لها بالدخول إلى مكان إقامته والسلام عليه، ويتكفل الوزير بتقديم أفراد الوفود كل باسمه، حدث هذا مثلا عندما قدم وفد أندلسي لتقديم البيعة للخليفة عبد المؤمن سنة 546هـ/ 1151م وهو مقيم حينها في مدينة سلا. في زمن المرينيين، كانت البيعة تتم وفق تراتبية معينة، تبدأ ببيعة أسر بني مرين بفرعيها حمامة، وبني عسكر، تعقبها بيعة شيوخ زناتة، فشيوخ القبائل العربية، ثم «العساكر، والحاشية، والموالي، والعلماء والصلحاء، ونقباء الناس وعرفائهم». وينظم شؤون البيعة المزوار. كان يصاحب البيعة بروتوكول تقبيل يد الحاكم؛ فعندما عَبَرَ الخليفة الموحدي عبد المؤمن إلى الأندلس، أمر ابنه أبا حفص بجمع الوفود من كل البلاد الأندلسية، وإدخالهم إليه في مجلسه “للسلام ولتجديد البيعة.”
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 134 من مجلتكم «زمان»