يثير التأمل في العلاقة بين السينما والتاريخ مجموعة من التساؤلات من بينها: ما هي طبيعة العلاقة بينهما؟ هل هي علاقة اتصال أم علاقة انفصال أم هما معا؟
مما لا شك فيه أن الاتصال موجود بين السينما والتاريخ بدليل أن الكثير من الأفلام السينمائية استقت المادة الأساسية لسيناريوهاتها من أحداث ووقائع وشخصيات وفضاءات تاريخية معينة وغير ذلك، ورصدت ميزانيات محترمة لإعادة كتابة تاريخ حقب محددة بالصورة والصوت بحيث أصبحت مشاهدة أفلام تاريخية بعينها لا تقل أهمية عن قراءة الكتب المتخصصة في التاريخ. بل غدت جل الأفلام، إن لم نقل كلها، تشكل مصدرا من مصادر كتابة التاريخ المعاصر، بعد ظهور السينما في أواخر القرن التاسع عشر التي عملت على توثيق جوانب عدة من حياة البشر في أبعادها المختلفة. فعمل كل من المؤرخ والسينمائي يلتقيان في أمور ويبتعدان في أمور أخرى. من بين نقاط الالتقاء بينهما حضور البعد الذاتي في عملهما معا، وذلك لأن السينمائي يسرد الأحداث التاريخية من وجهة نظر معينة، ويركز على أشياء دون أخرى، كما أنه قد يتخذ حدثا ما أو شخصية ما ذريعة للحديث عن واقعه المعيش ومعاناته الشخصية. ففيلم “المصير“، مثلا، من إخراج المصري يوسف شاهين، ليس فيلما تاريخيا، بالمعنى الضيق، عن الفيلسوف ابن رشد، وإنما يحكي مخرجه من خلاله ومن خلال المحنة التي عاشها ابن رشد مع الفقهاء في عصره، الذين اتهموه بالكفر وضيقوا الخناق على الفلسفة والتفكير الحر، عن معاناته هو كمبدع سينمائي داخل المجتمع المصري المعاصر .أما المؤرخ فهو لا يتعامل دوما بموضوعية مع ما يكتبه وينجزه من أبحاث ودراسات عن فترات معينة من تاريخ المجتمع وشخصياته، فغالبا ما تتسلل مواقفه وأفكاره وميولاته الذاتية، شعوريا أو لاشعوريا، إلى كتبه ومنجزاته. يحضر في السينما، إذن، البعد الذاتي بقوة، لأنها فن يعبر عن صانعه، ولا قيمة لأي فيلم بدون حضور ذاتية مبدعه، وذلك لأن هذا الحضور هو الذي يضفي عليه خصوصية ما.
أحمد سيجلماسي
تتمة المقال تجدونها في العدد 109 من مجلتكم «زمان»