ما تزال ملامح النهضة والحضارة المرينية ظاهرة أمامنا في شتى مجالات الحياة؛ في التعليم والطب والأدب والفلك والعمران والموسيقى .بل يقال إن هويتنا المغربية هي امتداد لما ترسخ في المجتمع زمن المرينيين.
تواءمت بعض الظروف والسياقات وجعلت من بصمة المرينيين راسخة في المجتمع المغربي إلى غاية اليوم. فقد ترك المرينيون أثرا حضاريا متعدد المناحي، تمثلت مظاهره في التعليم والفكر والأدب والموسيقى والطب والعمران، والحرف ومجالات أخرى. أسهمت بعض الأحداث في نشأة الحضارة المرينية وازدهار ثقافتها، من بينهما صعود بني مرين إلى سدة الحكم نتيجة سقوط دولة الموحدين، وتزامن عهدهم مع تآكل حكم المسلمين في الأندلس. في هذا الصدد يذكر المؤرخ محمد المنوني في كتابه عن الموضوع، أن استقرار الأمر للمرينيين جاء «قريبا من سقوط القواعد الأندلسية الكبرى، فانتقلت مجموعات من أعلامها إلى المغرب الأقصى، حيث توزعت بين مدنه وأريافه، واستقر معظمهم في مدينتي فاس وسبتة». ويضاف إلى ذلك، أن أفواجا أخرى من شبه الجزيرة العربية نزحوا إلى المغرب «رغبة في العمل على مستوى التوظيف، أو في ميادين الأعمال الحرة» .ومن ثمّ كان لهذه العوامل الأثر البليغ في الحركة الفكرية والازدهار الذي ستعرفه الدولة المرينية، مما منح المجتمع المغربي طابعا خاصا. إضافة إلى نزوح جاليات متنوعة، أولى سلاطين المرينيين عناية كبيرة بالجانب الثقافي والتعليمي، فأحدثوا لأجل ذلك ما لم يسبقهم إليه من حكم قبلهم. إذ قاموا ببناء المدارس، وأنفقوا على الطلبة وخزائن الكتب، ونشطت في عهدهم حركة الأدب، لدرجة أن «كتب النحو الأساسية التي ألفت في عهدهم ظلت تدرس بعدهم حتى القرن العشرين» .واحتضنوا مجالس الفكر والعلم، واعتنوا بالأوضاع النفسية والصحية للمجتمع، ووسعوا دائرة الإبداع في الشعر والغناء، فظلت موسيقاهم قائمة إلى يومنا هذا. وبشكل عام، كما يقول المنوني، قاموا بمغربة الجهاز الثقافي في بعض القطاعات.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 132 من مجلتكم «زمان»