منذ العصور الأولى التي عمّر فيها المغاربة القدماء شمال إفريقيا، لم تغب علاقتهم بالحيوانات في عدة مجالات، فنسجوا حولها حكايات وأساطير، وقدسوها وتعلقوا بها وانتفعوا بها كذلك. ثم انتقلت علاقة التقديس والتعظيم إلى توظيفها في أمور السياسة والحكم.
يندرج الحديث عن تاريخ العلاقة بين المغاربة والحيوان في ما يسميه علماء الأنثروبولجيا بـ”الطوطمية”، أي تلك العلاقة التي ينسجها الإنسان بموضوع طبيعي كالحيوان أو ظاهرة طبيعية، والتي تنبني على الاعتقاد والرموز والطقوس، وتتجسد في اتخاذ عقيدة لتقديسها أو عبادتها. وبشكل عام، يحدد المؤرخ عبد العزيز صالح، ثلاثة مباعث رئيسية لتقديس الإنسان للحيوان، وهي «المصادفة، والرهبة، والرغبة». كان الانسان المغربي القديم يجد في بعض الحيوانات منفعة له: في لحومها أو جلودها، ويهاب حيوانات أخرى ويخاف منها، أو تنشأ علاقة تقدير وتعظيم، تجعله يقدم لها قرابين، بحيوانات أخرى، أو يرمز بها إلى إله خفي.
تصف الباحثة هند الفقي في دراستها عن «تمازج المعتقدات الدينية بين مصر والمغرب القديم»، أن الإنسان المغربي يتشابه مع المصري القديم في جعل الحيوان وسيطا للإله الذي يسكن ذاك الحيوان، وأنه لم يقدس الحيوانات بأسمائها بل بأسماء الآلهة. لكن مما يؤكد عليه الباحثون هو أن معتقدات المغاربة القدماء تعددت بتعدد مدنهم وقراهم، وتنوعت بتنوع أقاليمهم، والتي تعكس مظاهر الخوف والحذر والتعظيم وكذلك الترجي والرغبة في أحيان أخرى.
ويَعْتَبِرُ معجم الرموز الفرنسي، أن «الثيمات المخيالية التي تشكل هيكل أو صورة الرمز (الأسد، الثور، القمر…) قد تكون كونية وقد تكون لا زمنية ومتجذرة في المخيال الإنساني، إلا أن دلالاتها تختلف باختلاف ثقافة الأفراد والمجتمعات، وطبيعة وضعياتهم في لحظة تاريخية معينة. ولهذا فإن تأويل الرمز (…) يجب أن يستند إلى حركيته الخاصة، كما يستند إلى الوسط الثقافي الذي أنتجه ويستدعي تحديد دوره في زمان ومكان معينين».
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 84 من مجلتكم «زمان»