كانت الدار البيضاء مجرد قرية صغيرة، وعرفت منذ 1907أحداثا وتحولات طبعت تاريخها وطابعها الكوسموبولوتي، قبل أن تتحول المدينة إلى قلب ينبض بالحياة.
إلى غاية ،1907 لم يكن هناك ما يَشي أن هذه القرية التي كانت تُنعت طورا بأنفا (بنون مخففة)، وهو اسمها القديم، منذ كانت تقطن أرجاءها قبائل زناتة، وتعني التلة بالأمازيغية، مما أخذه الفرنسيون وسموه بالمرتفعات “Les Crêtes”، حيث يوجد الآن حي أنفا، وتُسمّى طورا بكازا بلانكا، حين اتخذها بعض البرتغاليين مرفأ، وبقي مبنى مصبوغ بالجير يقوم مقام مركز تجاري قائم، لم يكن ما يشي أن تصبح إحدى أكبر الحواضر في إفريقيا، لا يضاهيها بهاء وجمالا إلا كيب تاون .استطاعت أن تزحزح الجزائر البيضاء كما كانت تُنعت، من سؤددها، بفضل أرضيتها المنبسطة، مما أسهم في تطورها، على خلاف الجزائر العاصمة التي تحيط بها التلال والجبال، وتَضيق في وضعها عاصمة إدارية واقتصادية في آن، وانتقلت من إرث عمراني استعماري مميز، إلى تأثير المباني الشعبية على شاكلة الديمقراطيات الشعبية. حافظت الدار البيضاء على رونقها، ولو تآكل وسط المدينة، ونمت الأطراف بشكل عشوائي، وبقي منها طابعها الكوسموبولوتي، مما لم تستطعه الإسكندرية… كان يعسر في فترة سابقة مقارنة الدار البيضاء بالإسكندرية التي احتضنت أطيافا عدة، وصهرتهم في بوتقة حضارية فريدة، لكن مجد الإسكندرية ولّى، وكاد يترنح مع الدار البيضاء …كادت جوهرة المتربول، ولوس أنجلس إفريقيا، كما كانت تُنعت، تصبح صورة باهتة من الشرق الأوسط، أو ما نعته ميشيل جوبير في ثمانينات القرن الماضي من أن الدار البيضاء على مسلك القاهرة، أي أنها تتطور بشكل عشوائي، وتزحف فيها البشاعة على الجمال. المدينة الأوربية، أخذت تتطور في شكل هجين، من خلال أرخبيلات أحياء أضحت مدنا قائمة الذات من غير وحدة عضوية… غدت المدينة من غير روح، وحاول الملك الراحل الحسن الثاني، وعيا منه بهذا الفراغ، أن ينفث فيها مددا روحيا ببناء مسجد الحسن الثاني …لكن روح مدينة هي نتاج صبر طويل، كما العبقرية. هي اختمار الجانب الثقافي، وغلبة التاريخ على الجانب الوظيفي. هي ذاكرة مكان يُحدث عن نفسه، وأشخاص يحملون الذاكرة…
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 129 من مجلتكم «زمان»