كيف وظف سلاطين المغرب الرموز الدينية والألقاب الروحية مثل ”أمير المؤمنين “و”الخليفة” لتكريس شرعيتهم السياسية؟ وما هو الدور الذي قامت به الطقوس التعبدية من بيعة وخطبة جمعة ودعاء سلطاني، في إعادة إنتاج الطاعة وتعميق الولاء؟ وكيف أسهمت الزوايا والفتاوى والمواسم الدينية في نسج شبكة رمزية تُضفي القداسة على السلطة الزمنية؟ وإلى أي مدى يمكن اعتبار خطة تسديد التبليغ وتوحيد خطبة الجمعة اليوم استمرارا مؤسسيا لإرث تاريخي منضبط في ضبط المجال الديني؟
مع اقتراب حلول ذكرى عيد العرش في المغرب، تتجدد مظاهر الاحتفال السياسي والديني التي تعكس استمرار حضور الرموز السلطانية في الوعي الجماعي .فالخطاب الملكي، وتجديد البيعة، والمظاهر الاحتفالية، والصلوات المرفوعة لأمير المؤمنين، كلها مشاهد تعيد إنتاج رمزية الحكم، وتستحضر في عمقها تقاليد قديمة استقرّت في تاريخ الدولة المغربية منذ قرون. فلم يكن الحكم في المغرب قبل الاستعمار يستند فقط إلى القوة أو العرف أو العصبية، بل تمثل في منظومة رمزية معقدة جعلت من الدين مصدرا أصليا للشرعية. فقد تداخلت مفاهيم الإمامة والسلطنة والبركة والمشروعية لتنتج خطابا دينيا سياسيا يشرعن السلطة ويوجه طقوسها .واضطلعت عناصر مثل خطبة الجمعة والدعاء السلطاني والبيعة والمواسم الدينية والزوايا ولقب أمير المؤمنين بدور حاسم في هذا التشكيل. يشكل لقب “أمير المؤمنين“ إحدى أقوى الركائز الرمزية التي اعتمدها السلاطين المغاربة لتأمين شرعيتهم .فاللقب لا يحمل فقط مدلولًا سياسيا، بل يرتبط بمنزلة دينية عليا تستدعي الخلافة الراشدة، وتُضفي على السلطان صفة الإمامة الكبرى، وهو ما يرسخ طاعته من منظور شرعي. وكان أول من تبناه رسميا في الغرب الإسلامي هو عبد المؤمن بن علي الموحدي، فبعد أن استتب له الأمر في المغرب والأندلس، أورد عبد الواحد المراكشي أنه “أمر أن يخطب له بهذا اللقب في جميع المساجد، ودونه على النقود، وجعل منه شعارا موحدا للدولة“.
محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 140 من مجلتكم «زمان»