شكّل احتلال سبتة من قِبل البرتغال سنة 1415رضّة سياسية وثقافية على المغرب، ألهبت مشاعر الخوف والانكماش، مما أفضى إلى خطابات مهدوية، يمثلها بلا منازع المتصوف سيدي سليمان الجزولي .أخذت الثقافة السياسية في المغرب تتغير، تحت وطأة تكالب الحملات الصليبية، وأخذت جحافل المؤمنين تنتظم في زوايا ورباطات، لحماية العقيدة ودرء المخاطر المحدقة.
أضحت الزوايا منذ القرن السادس عشر مؤثرة، ووظائفهما متنوعة، من الارتقاء الروحي إلى الجهاد، فالتربية، إلى أدوار اجتماعية، لحماية الملهوف وشفاء المرضى، فضلا عن أدوار اقتصادية من خلال المواسم التي تحتضنها، والتي كانت مناسبات للمّ شمل المنتسبين إليها، والاضطلاع بأدوار اقتصادية، من خلال ما يرافق تلك المواسم من تجمعات وأنشطة، تزاوج ما بين التجارة والترفيه.
كان طبيعيا، أن تنتقل الزوايا إلى أدوار سياسية، عدا دور التحكيم الذي كانت تضطلع به، بين القبائل. لم تعد القبيلة هي نواة الفعل السياسي، والمفضية له، حسب تحليل ابن خلدون، وإنما الزاوية، في ظل التغيير الأنثروبولوجي الذي عرفه المغرب ابتداء من القرن الخامس عشر الميلادي. تشكل الدولة السعدية مثالا بارزا، لانتقال زاوية من رباط روحي، إلى فاعل سياسي، ومن ثمة إلى أسرة حاكمة. هذه العلاقة ما بين الزاوية والسلطة، هي ما نعتها المؤرخ عبد العروي، من أن المخزن هو زاوية نجحت، والزاوية مخزن مصغر. بعد بداية تسلل الوهن إلى الدولة السعدية، توزع المغرب ما بين زوايا مؤثرة، منها بالأخص الزاوية السملالية بسوس، والزاوية الدلائية بالأطلس المتوسط، واللتان كانت تشرئبان إلى السلطة. قضت الدولة العلوية الناشئة على الزاوية الدلائية، وحدّت من طموح الزاوية السملالية .لكن الأدوار الاجتماعية للزوايا لم تندثر، وهو ما حدا بالسلطان مولاي سليمان إلى أن يشن الحرب على الطرقية، ليس فقط لما كانت تنشره من خرافة، ولكن لأنها كانت تتهدد السلطة المركزية، أو المخزن، وتزاحمه.
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 140 من مجلتكم «زمان»