ما تزال موسيقى اليهود وأغانيهم تحظى باهتمام الباحثين من مشارق الأرض ومغاربها، وذلك لارتباط جذورها القوية مع أنماط موسيقية غابرة وسياقات حضارية تعايشت فيها الأديان، هذا بالإضافة لجماليتها المتجددة.
تتعدد الأنماط الموسيقية في فن الغناء اليهودي بالمغرب والعالم العربي، ويشتهر منها الآن الغناء الشعبي الذي يصفونه بالدنيوي، ثم الغناء الديني الذي لازم أعياد اليهود وطقوسهم. وبالعودة إلى تاريخه وجذوره، نجد أن هذا الغناء نما وتطور في مرحلة زمنية غنية، هي الفترة الأندلسية. ولمّا تقهقرت أحوال المنطقة الإيبيرية وسقطت الأندلس، تشتت شمل اليهود، فحملوا معهم تراثهم الموسيقي إلى حيث توجهوا، معظمهم قصدوا شمال إفريقيا، فتمازجت إيقاعاتهم بأشكال مختلفة حتى أصبحت جماهيرية. لننظر إذن إلى السياق الذي نما فيه الغناء اليهودي وتطور، والذي جعل منه أسلوبا غنيا ومستمرا إلى غاية اليوم.
كان بعض من المجتمع اليهودي بالأندلس والمغرب على دراية بنظريات علم الموسيقى، ومطلعين على نظريات أعلام فلاسفة الموسيقيين، كالكندي والفارابي وابن باجة.. ومتمرسين في الغناء أو التلحين. فهذا اليهودي القرطبي إسحاق بن سمعان الذي يصفه ابن سعيد المغربي، في سياق حديثه عن أقطاب الموسيقى بقرطبة، بأنه «لم يكن فقط ملحنا ومطربا وعازفا، بل كان منظرا كرس الكثير من جهده لاقتفاء أثر أستاذه الفيلسوف والموسيقي ابن باجة» .وأيضا ابن ميمون «رغم مواقفه العدائية من الغناء»، فإنه لم يكن ينكر القيمة العلاجية للموسيقى في بعض الأمراض العقلية. وتورد المصادر، أن الخليفة الأموي عبد الرحمن الثاني «كلف المغني منصور اليهودي باستقبال زرياب عندما قدم إلى الجزيرة الخضراء»، كما أن اليهودي داني «كان وفرقته الموسيقية يمتعون الضيوف في حفل العذار الذي كان قد أقامه المأمون في طليطلة».
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 119/118 من مجلتكم «زمان»