لم تحل العلاقة المتشنجة بين المرينيين والقضاة، في البداية، من أن تتطور، في الوقت الذي حرصت فيه السلطة على تنصيب من تراه مناسبا.
يذكر ابن مرزوق في “مسنده“ على لسان السلطان المريني أبي الحسن (749-731هـ/1348-1332م) قائلا: «أوصى جَدُّنَا عبد الحق رضي لله عنه بوصية التزمناها، وهي أن ثلاثة من الولاة لا مدخل للرعية فيهم مع السلطنة وهم صاحب القصبة وصاحب الشرطة والوالي، وثلاثة المرجع فيها للرعية وهم إمام الصلاة والخطبة والقاضي والمحتسب». فإلى أي حد التزم المرينيون بهذه الوصية خاصة فيما يخص خطة القضاء؟
يندرج القضاء في وظائف الخلافة لأنه «منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسما للتداعي وقطعا للتنازع (…) بالأحكام الشرعية المُتَلَقَّاةِ من الكتاب والسنة». ونظرا لانشغال الخليفة بأمور الدولة و«قيامه بالسياسة العامة وكثرة أشغالها»، فَوَّضَ في أول الأمر للولاة صلاحيات قضائية إلى غاية عهد الخليفة عمر بن الخطاب (23-13هـ) الذي نَصَّبَ قضاة في عاصمة الدولة وبعض مدن الأمصار الكبيرة. والمُلاَحَظُ أن فصل القضاء عن سلطة الوالي لم يكن كاملا زمن الخليفة المذكور، كما أن تعيين القضاة لم يكن شاملا لجميع البلدان والأمصار، وإنما جاء تطبيقه في بعض الحالات، وعلى بعض البلدان، وعلى بعض الولاة، حسب الحاجة والمصلحة وظروف البلاد وسعتها، إلى أن استقر فصل القضاء نهائيا عن سلطة الولاة والحكام خلال العصرين الأموي والعباسي.
لقد كان تعيين القضاة في عاصمة الدولة الأموية ثم العباسية حِكْراً على الخليفة، وغالبا ما كان يتم في الأمصار عن طريق الولاة. وبعد استحداث منصب “قاضي القضاة“ من طرف الخليفة العباسي هارون الرشيد، منح هذا الخليفة صاحب هذا المنصب حق ترشيح القضاة في جميع بلاد الخلافة، وأناط به حق متابعتهم ومراقبتهم، وعزل من يستحق العزل منهم. ولم يَحِدْ المرينيون عن هذا النهج، إذ اتخذ سلاطينهم قضاة في مختلف المدن والأقاليم التابعة لهم.
إسماعيل زهير
تتمة المقال تجدونها في العدد 126 من مجلتكم «زمان»