لجامعة القرويين مكانة في الحضارة الإسلامية لا يضاهيها بالنسبة لأهل السُّنة والجماعة، إلا جامع الأزهر الشريف، عدا الحرمين، وقد كانت القرويين في بدايتها امتدادا للقيروان، ثم امتدادا لجامع قرطبة، وما لبثت أن استقلت عنهما، لتصبح المنارة العلمية بدون منازع للغرب الإسلامي.
يأتي شفوف القرويين في كونها أقدم جامعة في العالم، كما أثبت المستشرق جوز كرستوفيتش “Jouse Krestovitich” منذ 1893، في مقال في مجلة علمية: «إن أقدم مدرسة كلية في العالم أنشئت لا في أوربا، كما يظن، بل في إفريقيا، في مدينة فاس، عاصمة بلاد المغرب سابقا، إذ تحقق بالشواهد التاريخية أن هذه المدرسة كانت تدعى كلية القرويين، وقد أسست في الجيل التاسع للميلاد، وعليه فهي ليست فقط أقدم كليات العالم، بل هي الكلية الوحيدة التي كان يتلقى فيها الطلبة العلوم السامية في تلك الأزمنة، حينما لم يكن سكان باريز وأكسوفرود وبارو Paroue وبولونيا يعرفون من الكليات إلا الاسم، كان الطلبة يتقاطرون على كلية القرويين من أنحاء أوربا وإنجلترا فضلا عن بلاد العرب الواسعة للانخراط في سلك طلابها (..) ومن جملة من تلقى علومه في هذه الكلية من الأوربيين جيربرت أو البابا سلفسر، وهو أول من أدخل إلى أوربا الأعداد العربية، وطريقة الأعداد المألوفة عندنا، بعد أن أتقنها جيدا في الكلية المذكورة». لقد حملت القرويين تراث الأندلس، بعد أن أدبرت، ولئن تراجعت العلوم العقلية بها، فقد ظلت القرويين حضنا للعلوم الفقهية والمذهب المالكي فضلا عن اللغة العربية، إلى جانب الحساب والتوقيت… ورغم شفوف الحضارة الغربية، فقد ظلت جذوتها تغذي المنتسبين إليها، وتشحنهم، فخرّجت كبار العلماء وأساطين الحركة الوطنية.
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 126 من مجلتكم «زمان»