حظي التعليم الديني بالمغرب عبر العصور بأهمية خاصة وعناية فائقة، سواء من قبل الدولة أو المجتمع أو الأسرة، بسبب ما كان يؤديه من وظائف اجتماعية وثقافية، وما كان يضطلع به من أدوار سياسية سواء ما يتعلق بحفظ النظام ودعم قوته واستقراره، أو بتخريج النخب من الفقهاء ورجال الدين الذين كانوا يشكلون جزءا أساسيا من بينة السلطة وعاملا من عوامل قوتها.
كان الكتاب أو “المسيد“ هو المؤسسة الأولية التي يتعلم فيها الصبي القرآن والقراءة والكتابة ومبادئ المعارف الدينية، بحيث يشكل ملحقا من المسجد أو يكون مستقلا بقربه، وهو غرفة صغيرة مفروشة بالحصير يتحلق فيها التلاميذ حول “لفقيه“ أو “الطالب“ ليلقنهم تلك المعارف، باستعمال أدوات بدائية، كالألواح الخشبية وأقلام القصب والصمغ أو “السماق“ من أجل الكتابة. ورغم هذه البساطة، فقد قام الكتاب بدور بارز ومهم في تنشئة الأطفال وتربيتهم وتعليمهم، وتأهليهم أيضا للانتقال إلى مجالات وميادين أخرى.
إلا أن المسجد ظل دوما هو المركز والمعلمة الأساسية في حقل التعليم الديني، بحكم وظائفه المتعددة إضافة إلى التعليم، من عبادة وإرشاد وتوجيه وكونه محل اجتماع الناس ومقر اتخاذ ما ينفعهم من القرارات، فقد كان يمثل المرحلة التالية للكتاب، حيث كانت تنظم فيه الحلقات العلمية والدراسية المفتوحة للعموم، وإن كان الغالب على من يرتادها من الطلبة الملمين بمبادئ المعارف الدينية، والراغبين في التعمق فيها، من أجل الانتقال إلى مستويات أعلى، أو التأهل للمشارطة في القبائل، وتولي مناصب الإمامة والتدريس والقضاء.
محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 126 من مجلتكم «زمان»