هدف المرينيون من إنشاء المدارس التدخل في السياسة التعليمية والتحكم فيها ومراقبتها بما يجعلها «أداة جديدة للسلطة»، تحدد علاقة العالم والمتعلم بالحك.
المدارس المرينية مشروع فريد من نوعه في مغرب العصر الوسيط، غير مسبوق من الإمارات والدول التي تقدمت عليهم، وغير ملحوق من الدولة التي أتت بعدهم (الوطاسيون) .وفكرة إنشاء المدارس مشرقية، بالأساس، وجدت صداها في المغرب قبيل المرينيين عندما أنشأ الفقيه أبو الحسن علي الغافقي الشاري السبتي (ت. 649هـ/ 1252م)، أول مدرسة وتحديدا في مدينة سبتة، متأثرا بالنموذج المشرقي للمدارس، فكانت بذلك أقدم مدرسة في بلاد المغرب والأندلس. كما أن المخزن الموحدي أنشأ المدارس بمفهوم غير واضح المعالم. وكيف ما كانت وضعية المدرسة الموحدية، فإن «عمل الموحدين في هذا المجال ظل محدودا جدا لأن مشروعهم جاء في الفترة الأخيرة من حكمهم، ولم تنل مدارسهم شهرة لدى الطلاب والأساتذة. [ومن ثمّ]، لم يكن لها تأثير كبير في الحياة الدراسية والثقافية. فالمبادرة المهمة هي التي جاءت على يد المرينيين». الشيء الذي يؤكد نفي ابن مرزوق الجد، حسب ما انتهى إلى علمه، أن يكون «لأهل المغرب عهد ولا معرفة [بموضوع المدارس]» قبل أن يشيد يعقوب بن عبد الحق المريني (685-656هـ/ 1286-1259م) مدرسته الأولى.
تعددت أهداف المرينيين من إنشاء المدارس، ولعل من أهمها كسب الشرعية التي كانوا في سعي دائم لتثبيتها، إذ من المعلوم أن بني مرين لم يكونوا أصحاب فكرة جديدة في الفقه والعقيدة، أو أصحاب دعوة إصلاح ديني شأن المرابطين والموحدين من قبلهم، يمكنهم بها تركيز سلطتهم وتعليل موقفهم لإثبات شرعية حكمهم. في هذا السياق، يبدو أن الفقيه أبا أمية، صاحب فكرة مشروع المدارس، حث السلطان المريني يعقوب بن عبد الحق على إرضاء فقهاء المالكية واستمالتهم وكسب تأييدهم المعنوي مقابل جرايات مغرية، بما أن توطيد أركان الدولة بالقوة العسكرية وحدها عامل غير كاف، وأنه لا بد من الاستناد إلى أسس فكرية وعلمية وعلى الذين يمثلونها، بأن تقام لهم مدارس رسمية مما سيجعل علماء هذه المدارس وطلبتها مرتبطين بالسلطة وبالسلطان الذي عينهم فيها، وسمح لهم بالتدريس فيها، وصرف لهم مرتبات شهرية قارة.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 132 من مجلتكم «زمان»