كان من الممكن أن يكون للمغرب وتونس حدود مشتركة. لأن تاريخهم يقدم العديد من الجذوع المشتركة، أو على الأقل جذوعا متكاملة. على سبيل المثال، كان الحفصيون، الذين سيطروا على العصور الوسطى التونسية، لفترة طويلة، ممثلين للموحدين في إفريقية .بل شكلوا، إلى حد ما، امتدادا لتراث وحلم الموحدين، وبالتالي خلقوا نوعا من الجسر بين تونس ومراكش…
إذا كانت قرطاج، في العصور القديمة، تشع حتى طنجة، فإن القيروان ستفعل ذلك بدءا من العصر الإسلامي، وبالتالي خلق صلة مباشرة مع “أختها” المغربية، فاس .هنا حيث حملت أقدم جامعة إسلامية اسم ”القرويين” تكريما لـ”أهل القيروان”.
يمكننا تعداد الأمثلة على هذه الجسور المقامة بين البلدين، واللذين تفصل بينها مساحة واسعة، تزيد عن 1600 كيلومتر، تسمى الجزائر اليوم. إذا كانت الخصومات بين المغرب والجزائر قد شهدت تصعيدا من العصور الوسطى، مع عصر المرينيين في فاس وعبد الواد في تلمسان، فإن “أبناء العم” التونسيين غالبا ما كانوا يحاولون، بطريقة أو بأخرى، التوسط للصلح بين المتخاصمين. عندما احتلت فرنسا البلدان المغاربية، جعلت تونس والمغرب محميتين، وبالتالي فوضت لنفسها، فقط، إدارة الدولتين اللتين تشكلتا بالفعل منذ زمان، وأصبحتا راسختين بقوة. وبالطبع، لم يكن الأمر مجرد صدفة. هذه المصائر المشتركة وهذا التقارب التاريخي، يمكن تمثلهما، أيضا، في النضال من أجل الاستقلال، الذي ميز النصف الأول من القرن العشرين. فقد توافقت شخصيتا الزعيمين محمد الخامس والحبيب بورقيبة حتى يقودا كفاحات شعبيهما، وإن كان أحدهما ملكا والآخر رئيسا.
لم يتم تغييب هذا التقارب مع مرور الوقت والتغييرات التي حدثت في هرم الدولتين. حتى في وقت قريب جدا، زمن ”الربيع التونسي”، فإن تونس المرزوقي تحولت بالفعل نحو النموذج والخبرة المغربيين على عدة مستويات (بما في ذلك طي ملفات سنوات الرصاص)، لإعادة البناء والمضي قدما.
هناك تفصيل مهم للغاية لن تخطئه عين الزائر الذي تطأ قدمه تونس العاصمة لأول مرة، إذ قد يكتشف، على الفور، أن أحد أجمل الشوارع في العاصمة وأطولها، بعد شارع بورقيبة، يحمل اسم محمد الخامس. خلاصة القول إن الحقائق التاريخية تفرض نفسا، ولا أحد يستطيع تغييرها، رغم سحب الصيف العابرة، مثل ”الانزلاق “الأخير للرئيس قيس سعيد…
يستعرض هذا الملف الحقائق والوقائع التي جمعت المملكة والخضراء عبر التاريخ.
كريم البخاري
تتمة المقال تجدونها في العدد 108 من مجلتكم «زمان»