ارتبط اسم الدولة الموحدية ومشروعها السياسي باسم المهدي ابن تومرت الذي استطاع بدهائه السياسي والديني أن يمهد لتقويض دعائم دولة المرابطين، وتأسيس أكبر امبراطورية مغربية وحدت الغرب الإسلامي برمته.
لم يكن مستبعدا أن ابن تومرت، وهو يغادر المغرب إلى المشرق بعد التوقف في محطة الأندلس وقد بلغ السادسة والعشرين من عمره، كان يحمل في نفسه بعض المآخذ على الواقع المغربي اجتماعيا وسياسيا، ومن المرجح أنه كان ينظر إلى هذا الواقع نظرة الناقد، فتسوءه مظاهر عدة، ويتكون لديه رفض لها ونقمة عليها.
الرحلة إلى الشرق
كان هدف ابن تومرت من رحلته إلى المشرق الإسلامي الاستزادة من العلم بعدما حفظ القرآن ودرس بعض العلوم الإسلامية في بلاد المغرب. فتنقل بين عواصم المشرق الثلاث بغداد ومكة والقاهرة، ولا نعرف إلا النزر اليسير عن حياته هناك، وأهم ذلك النزر نسجته المصادر الموحدية، بطريقة بعدية، لإضفاء مشروعية على الدولة الموحدية، خاصة لقاؤه بالغزالي.
من المرجح، أيضا، أن ابن تومرت عندما عزم العودة إلى المغرب، بعد مضي قرابة عشر سنوات
(501-510هـ/ 1107-1116م)، لم تكن فكرة الثورة على المرابطين قد اختمرت في ذهنه، وإلا لتعجل الرجوع دون أن يقضي أربع سنوات في الطريق .إلا أن معاينته الخلل الذي أصاب حكم الدولة الفاطمية التي كانت تمزقها الخلافات المذهبية، وحكم الدولة العباسية وهي تحتضر، والوقوف على انفصال الدعوة عن الدولة، واحتكاكه بحكام العديد من المجالات التي كان يمر منها كالإسكندرية والمهدية وبجاية، وما كان يلقاه أحيانا من تأييد شعبي لمواعظه، كل هذا طور لديه فكرة التغيير والثورة، وكون لديه مبررات قوية لخوض معركة إصلاحية ذات محتوى فكري–ديني وسياسي، زكاها ما كان يتمتع به من جرأة، وما محطة مَلاّلَة إلا شاهد على هذا التطور حين استقطب رجالا أكفاء من قبيل عبد المؤمن بن علي، ومحمد البشير الذين نظر إليهما كسواعد مستقبلية للتغيير المزمع إنجازه.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 13 من مجلتكم «زمان»