هل نحن بالفعل شعب ومجتمع متضامن؟ وهل كان المغاربة عبر تاريخهم الطويل يتضامنون فقط وقت الأزمات أو جل الأوقات؟ ثم ما هو أساس أو أسس تضامنهم، هل الأعراف أم القبيلة أم الدين أم كل ذلك مجتمعا؟ وماذا عن تضامنهم مع الشعوب والبلدان البعيدة؟ أسئلة كثيرة في هذا الحوار حول قيم التضامن لدى المغاربة، يجيب عنها ويحلل ظواهرها السوسيولوجي الهادي الهروي.
قبل أن نتحدث عن أشكال التضامن ومظاهره، كيف يعرف السوسيولوجيون مفهوم التضامن في المجتمع؟
اختلفت المقاربات الدلالية لمفهوم التضامن وتشعبت حسب السياق المعرفي والثقافي والزمان والمكان والجغرافيا مما يجعله مفهوما صعب التحديد. هذا ويرجع مصطلح التضامن حسب لسان العرب لابن منظور إلى الجذر اللغوي: ضَمِنَ الشيء ضمنا وضمانا: كفل به، وضمنت الشيء أضمنته فأنا ضامن وهو مضمون، ومنه أيضا الضمان: الحفظ والرعاية. وتضامن فعل انعكاسي يقتضي وجود الغير لتولد علاقة بين الأنا والآخر ليكفلا بعضهما البعض، ومن ثمّ يتحدان ويلتزمان بما اتفقا عليه وفق مبدأ المسؤولية الأخلاقية .إن التضامن فعل عملي لا يكون له معنى من دون أجرأته، «ولا يكتسب قيمته إلا عندما يتحول إلى التزام ذي طبيعة مدنية وخاضع لقانون نابع من الضمير، بعيدا عن كل عقوبة ما عدا تلك التي يفرضها الإنسان نفسه، من ثمة فإنه يعتبر دينا حسب “شارل جيد” (Charles Gide) مؤسس اقتصاد التضامن»، كما قال مارك هنري سولي. وفي تحديد آخر، ورد في إحدى الدراسات المنشورة بالمعهد الألماني للأبحاث الشرقية أن للفظ التضامن علاقة بمفاهيم التكامل والتماسك والتعاضد والتراحم، وكلها ترد تحت ظروف المحنة التي تفرض التماسك. إلا أن هناك فارق بسيط بينها. فالتعاطف ميل إلى، ومنه ميل الناس بعضهم لبعض وتعاطفهم وتآزرهم في ظروف السراء والضراء.
هل يقتصر التضامن فقط على زمن الأزمات والكوارث والحروب؟
عودة إلى تاريخ المغرب من خلال ما ورد في المصادر والمخطوطات والوثائق والأبحاث، أن البلاد تعرضت لدورات قحوط وأوبئة وفيضانات وزلازل وسيول، واكبها غلاء فاحش ودمار في البنيات وتدهور تجاري وإملاق وضياع في النفوس وانتفاضات قبلية واحتجاجات حضرية. ومن أشد الأزمات، المجاعات والسيول والجراد والأوبئة المتنوعة ومنها الكوليرا والحمى الصفراء والجدري الأحمر والطاعون الأسود. إضافة إلى ذلك، عاش المغرب أيضا متاعب حروب وغزوات استعمارية زادت من استفحال أزماته المرحلية، وكان لها انعكاسات سلبية اقتصاديا واجتماعيا، مما كان يفرض على حاكميه التدخل للتخفيف من حدة معاناة البائسين المتضررين من هذه الآفات وتقديم القوت للجائعين كما حدث في عهد محمد بن عبد الرحمان والحسن الأول. فرضت هذه الوضعية أيضا نمطا من التعاون والتضامن خصوصا في مواجهة الكوارث الطبيعية منها الزلازل والفيضانات، حيث تقاسم المغاربة في المدن والقرى الأطعمة والمساكن والخيام و“النوايل“. وتعاونوا أيضا بطريقة “التويزة“ في الزراعة والفلاحة والحصاد وطرد الحيوانات الوحشة التي تتلف المزارع والحقول.
حاوره غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 138 من مجلتكم «زمان»