قاد الدباغون، مع بداية عهد الحسن الأول، حرفيي مدينة فاس في انتفاضة احتجاجا على تجديد فرض المكس، غير أن السلطة واجهتها بقمع شديد.
أسست انتفاضة الحرفيين في فاس سنتي 1874/1873 لما يمكن اعتباره دينامية جديدة في الفعل الاحتجاجي للمغرب المعاصر، لذلك نجد الدارسين والباحثين في العلوم الاجتماعية يعتبرونها نقطة استدلال مهمة في كل تأريخ أو تحليل للحركات الاجتماعية المغربية المعاصرة. وتفاوت تعامل المصادر التقليدية معها بين تفهم مطالب المنتفضين، واختزال الحدث في اتجاه يخدم الموقف المخزني. ومهما يكن من اختلاف في القراءة والتأويل، فإن ما حدث في فاس مع بداية عهد السلطان المولى الحسن الأول لا يمكن اعتباره بالشيء الجديد الطارئ على تاريخ هذه المدينة. ولا يخرج عن سياق الحركات الشعبية في الحواضر الإسلامية، كلما رزحت غالبية الأوساط الحضرية تحت وطأة الجباة، إثر تزايد المطالب المالية للدولة، وعجز منظومة التشريع الإسلامي عن إيجاد أجوبة مالية شرعية على المتغيرات الطارئة لما بعد زمن الفتوحات الإسلامية واقتصاد المغازي والغنائم، فينفلت الشارع الحضري من عقال رقابة عيون «البصاصين» وشرطة المدينة.
تنفجر إذن هذه الأحداث بشكل دوري، ربما متباعد، لكن تنبعث كل مرة من تحت رمادها كلما وفرت عوامل جديدة وقود اشتعالها، إثر تأزم الواقع أكثر وارتباك ذوي السلطان في تدبيرهم للأزمة.
في الحالة، موضوع الدراسة، هناك ظرفية ما بعد النزيف المالي الذي شهدته ميزانية المخزن بعد المعاهدة مع بريطانيا سنة 1856 والغرامة والقرض المرتبطين بحرب تطوان سنة 1860، وما بعد الانكسارين العسكريين في إيسلي وتطوان، وما بعد استشراء آفة الحماية القنصلية، واستئساد المحميين والأجانب وكف يدهم عن أداء الواجبات الجبائية، مما أرخى بالثقل الجبائي على كاهل من بقي خارج مظلة الحماية القنصلية، يضاف إلى كل هذه المتغيرات الطارئة على مغرب منتصف القرن التاسع عشر مشكل جد طارئ وحساس، يتعلق بهشاشة الوضع السياسي المرتبط بفترة الانتقال السلطاني بعد وفاة سيدي محمد بن عبد الرحمان وتولي ابنه المولى الحسن العرش. فطرح سؤال التعامل مع السلطان الجديد، خلال ظرفية البيعة وما يصحبها من وضع انتقالي، هل الأمثل هو إبراز الطاعة والمسارعة للبيعة وكسب الود ونيل الرضى، وبعدها يأتي التوسل والرجاء لإلغاء المكوس؟ أم التفاوض واستثمار الظرفية من أجل إخراج ناجح لما يشبه البيعة المشروطة؟
الطيب بياض
تتمة المقال تجدونها في العدد 20 من مجلتكم «زمان»