وجدت زوجات مغربيات، خلال العصر الوسيط، أنفسهن يسقطن، في براثن الخيانة لعدة أسباب، كان أبرزها غياب الزوج للتجارة أو المشاركة في الحرب أو القيام برحلات صوفية.
يقتضي الحديث عن خيانة المرأة-الزوجة في تاريخ المغرب الوسيط تصديره بجملة من الملاحظات، أولاها، انخراط مفهوم الخيانة الزوجية في منظومة اجتماعية اتخذت من الإسلام دينا لها، لا يعترف بأية ممارسة جنسية خارج إطار الزواج، وإلا عُدَّ زنا، وينخرط بالنسبة للزوجين في مفهوم الخيانة، وما يترتب عنها من اختلاط في الأنساب.
ثانيها، جعل المرأة موضوعا للخيانة الزوجية في جوهره “امتثالا” لطبيعة تعامل المصادر مع هذا الموضوع خلال الحقبة المدروسة. فإذا كانت الخيانة فعلا يحتمل اشتراك الزوج فيه أحيانا، كما يحتمل اشتراك الزوجة فيه أحيانا أخرى أو كلاهما معا، فإن المصادر عالجت الخيانة من جانب الزوجة فقط. الراجح جدا أن حقبة البحث عرفت بعض حالات خيانة الأزواج، إلا أن تركيز المصادر على خيانة الزوجة، يعزى إلى أمور ثلاثة:
أولها، البنية الذهنية التي كان ينظر بها الرجل صاحب التأليف للمرأة، ذهنية قاعدتها الفتنة والشرور والشك.
ثانيها، الطبيعة الذكورية لمصادر المرحلة، جعلتها تسكت عن خيانة الرجل. إضافة إلى أن الزوج كانت أمامه العديد من السبل “الشرعية” لمعاشرة أكثر من امرأة واحدة،إما عن طريق تعدد الزوجات الذي أقره الفهم الفقهي للنص القرآني، أو بواسطة التسري (اتخاذ الإماء للمتعة الجنسية أو ما عرف بجواري اللذة).
فرضت قلة المادة المصدرية في الموضوع الوقوف عند بواعث وحوافز الخيانة الزوجية أكثر من التطرق إلى الخيانة الزوجية في حد ذاتها. فما هي هذه البواعث والحوافز؟ يأتي في مقدمة البواعث التي ركزت عليها المصادر في موضوع خيانة المرأة لزوجها بشكل رئيس، غياب الأزواج عن زوجاتهم لمدد قد تقصر أو تطول لأسباب متعددة، تصدرها الغياب بفعل عدم القدرة على الإنفاق نتيجة تدني المستوى المعيشي. أمر كان يستفحل إبان الأوبئة والمجاعات وما أكثرها في مغرب العصر الوسيط. وطرح هذا السلوك في حينه قضايا فقهية شائكة من قبيل: هل تتزوج نساء الفارين من الأزواج أو المفقودين؟ وماذا إن عاد أزواجهم؟ إلى غيرها من الأسئلة. ولم يكن مستبعدا في ظل هذه الظروف، سقوط بعض الزوجات في براثين الخيانة بحثا عن سد الرمق. والمؤكد، أن بعض الزوجات طالبن في مثل هذه الحالات بالطلاق.
محمد ياسر الهلالي
تتمة الملف تجدونها في العدد 55 من مجلتكم «زمان»