اختلفت آراء المؤرخين والباحثين حول طبيعة تدين البرغواطيين، لكنهم يكادون يجمعون على استلهام الطقوس والأعراف المحلية.
استأثر موضوع إمارة برغواطة باهتمام العديد من الباحثين، وجعل بعضهم من تدين البورغواطيين أهم موضوع في تناولهم لتاريخ هذه الإمارة لخروجه عن المألوف في تدين مغاربة العصر الوسيط، وأمعنوا في تعداد قراءاته وتأويل معطياته. غير أن تناول هذا الموضوع بالدرس تجابهه الكثير من العقبات التي تحد من تركيب صورة واضحة عنه، ويأتي في مقدمتها وأهمها قلة المادة المصدرية المعتمدة المرتبطة بالجانب العقائدي والشعائري لتدين برغواطة، واضطراب معلومات المتوفر منها، وغياب مصادر كتبها البرغواطيون أنفسهم، وفي مقدمتها “قرآن” صالح بن طريف إما بفعل عوادي الزمن، أو بفعل فاعل لدواعي سياسية ومذهبية، خاصة بعد هزيمتهم العسكرية أمام المرابطين، وانتهاء أمرهم مع الموحدين، إلى جانب شبه غياب لبحث أثري مهم من شأنه تأكيد أو تفنيد جملة من المعطيات الواردة في المصادر على قلتها.
تتأسس الروايات المرتبطة بتدين برغواطة على مصدرين جغرافيين أساسين: أولهما “صورة الأرض” لمحمد بن حوقل، وثانيهما “المسالك والممالك” لأبي عبيد عبد لله البكري، وكلا المصدرين ولاسيما ثانيهما معاديان مذهبيا لتدين برغواطة، وصنفاه ضمن البدع والهرطقات، ويظهر أن صاحبيهما كانا ينبذان الاختلاف في التدين، بما يجعل القارئ الراغب في الخروج بتصورات عن تدين البرغواطيين، يعتبر الركون إلى معطياتهما مجازفة تنطوي على العديد من المخاطر، تشعره وكأنه يسير في حقل ألغام لا يخرج منه إلا بمشقة بالغة. أضف إلى هذا، أن رواية البكري تزامنت مع «الشرخ الذي خلخل علاقة برغواطة بالأندلس، حيث انتقلت من الود إلى العداء».
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 77 من مجلتكم «زمان»، مارس 2020