عاشت في مجتمع الواحات، في الجنوب المغربي، عناصر بشرية ذات سحنة سوداء، شكلت فيما بعد ما عرف بـ”الحراطين” الذين كانوا في مرتبة أقرب إلى العبودية.
عرفت الواحات المغربية استقرارا بشريا قديما، ارتبط بممارسة النشاط الزراعي الذي أسهم بدوره في توافد عناصر متنوعة، بما يفسر تنوع أصول ساكنتها، وكان من هؤلاء ما اصطلح عليه، في زمن غير مضبوط بدقة، بالحراطين الذين شكلوا أحد المكونات الرئيسة لمجتمع الواحات.
أصل الحراطين ومعنى الكلمة
في غياب الوثائق ذات الصلة بأصل الحراطين، اختلف الدارسون في تحديد أصلهم، وتعددت آراؤهم في الموضوع وفرضياتهم، منهم من ذهب إلى أنهم من أصول إثيوبية ذات البشرة المائلة إلى السواد، من أعقاب «السلالة الزنجية القديمة التي كانت تسيطر في القديم على مجالات فسيحة في الصحراء، والتي أطلق عليها ديفيريي مصطلح “الكرامانت”»، بما يفيد أنهم من ساكنة الشمال الإفريقي الأصيلين، تسربوا إلى الواحات «في وقت مبكر ليشكلوا إحدى قواعدها البشرية الأولى»، وتكمل هذه الرواية ما خلص إليه ج. كاتيفوس، من «وجود علاقة بين الكوشيين الأحباش، وبين الحراطين المنتشرين ما بين تافيلالت ودادس ودرعة وفي نواحي فـگيـگ»، بما يفيد أن عنصر الحراطين قديم الاستقرار في الواحات.
يعضد هذا الطرح ما ارتآه باحثون آخرون، مالوا إلى أن العنصر الحرطاني «كان مستقرا في الواحات قبل توافد الهجرات الأمازيغية»، التي عملت على استرقاق مجموعات بشرية كانت مستقرة في الواحات، سخروها لخدمتهم بعد سيطرتهم على وسائل الإنتاج من أرض ومياه. وبما أنهم لم يكونوا عبيدا في الأصل، فإن الغزاة وضعوهم في مرتبة اجتماعية وسط بين العبودية والحرية.
ومن الباحثين من قال بالأصل الزنجي للحراطين، المنحدرين من عبيد استقدموا من بلاد السودان، في عصور تاريخية مختلفة، للقيام بأعمال الزراعة أولا، ولخدمة الأولياء وأرباب الزوايا خلال القرن 16 ثانيا، وهذا احتمال وارد، يجد له صدى في الذاكرة الجماعية كاعتقاد شبه راسخ على الأقل في واحات فـﯕيـﯔ. ثم تحولوا تدريجيا إلى وضع وسط بين الاستعباد والحرية، أو أحرار من درجة ثانية، بما يفيد أن الأمر محاولة ارتقاء اجتماعي للعبيد.
وفسر باحثون آخرون «السمات العامة للحراطين، التي تختلف عن سمات الزنوج الأفارقة ذات السواد المحض، وعن سمات العناصر البربرية المائلة إلى البياض، بأنه نتيجة تمازج وتلاقح بين البربر والزنوج، وهو التمازج الذي أعطى هذا الوضع الوسط». تظل هذه جميعها فرضيات يصعب ترجيح واحدة على أخرى. وعليه، يقر باحثون آخرون بتعدد أصول الحراطين، اضطلع «فيها العامل الاقتصادي، وعامل الاستعباد والقهر دورا أساسيا». ولعل هذا ما تؤكده ملاحظة محمد أعفيف الذي سجل تنوع السمات الجسدية للحراطين في واحات مدغرة وتافيلالت بما يفيد تعدد أصولهم. لاسيما أن عوامل طبيعية من جفاف وما أعقبه من مجاعات اضطلعت بدور أساس في نزوح مجموعات حراطين الجنوب إلى الواحات المغربية.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 81 من مجلتكم «زمان»