يذهب بيير فيرميرين، أستاذ تاريخ المغرب العربي المعاصر، بجامعة باريس 1 (بانتيون-سوربون)، إلى أن الأبناك الفرنسية، التي أغرقت المخزن المغربي بقروض هي من مهدت للاستعمار الفرنسي، وكانت بالتالي المستفيد الأكبر.
ماذا كانت أهم المجالات التي استثمرت فيها مقاولات الدولة الاستعمارية في المغرب؟
يمكن القول، قطعا، إن الأبناك التجارية هي من مهدت للاستعمار الفرنسي للمغرب. لقد أغرقت المخزن بقروض، كما فعلت في بلدان أخرى خضعت أيضا للحماية، ثم عملت على تمويل الاستعمار وتجهيز وتحديث المجال الترابي. وعبر ذلك، تمكنت من ترسيخ أقدامها في المغرب، واستمرت حتى بعد نهاية الحماية. ويمكن الإشارة، هنا، إلى بنك باريس والأراضي المنخفضة، BNP حاليا، الذي دفع إلى ارتكاب الجريمة إن جاز القول ذلك. لقد تحول، الآن، إلى أحد الأبناك الكبرى في العالم. في الواقع، أن تلك الأبناك كانت، في بداية القرن العشرين، قد شرعت في التوسع عالميا، ولم يكن المغرب إلا أحد أهدافهم ضمن أخرى. وليس خافيا أن التمويل هو عصب الحرب والاستعمار. وفيما يخص باقي المقاولات، فإن أغلبها وُلِد بعين المكان، كمقاولات التعمير والمعادن والطاقة والنقل ومصانع الجعة والصناعات الغذائية. لقد انطلق مغامرون من لا شيء، وأصبحوا رجال أعمال ورواد صناعة في المغرب (مثل جون إبينا، حتى وإن كان يتوفر على شبكة جيدة من العلاقات في فرنسا)، لكن لم يكن أولئك أن يحققوا ما حققوه لولا دعم الممولين ومساندة وحماية الإدارة، سواء كانت شريفة أو غيرها. كان هوبير ليوطي سباقا في محاولة تجسيد “كاليفورنيا الفرنسية” على أرض المغرب، ورغب في مدينة كبرى، صناعية وتتوفر على ميناء، جسدها في الدار البيضاء. بغض النظر عن ذلك، كانت الصفقات الجيدة تسير، دائما، مع الاستعمار جنبا إلى جنب، إذ تم الربط بين مينائي مارسيليا وبوردو وبين ميناء الدار البيضاء لنقل المسافرين وتصدير واستيراد البضائع (منتجات خامة مقابل السلع الاستهلاكية والمعدات).
ما هي أبرز السلع التي كانت تصدرها المقاولات الفرنسية؟
كانت الخمور والحوامض تمثل نسبة معتبرة جدا. كما شكل العتاد الحربي الخاص بالجيش، أحد أهم المنتوجات الفرنسية، ذلك أن الجيش انخرط، منذ فرض الحماية وحتى عام 1935، في حملات مستمرة، قبل أن يكون على وشك الدخول في حرب ابتداء من سنوات الخمسينات. إجمالا، يمكن القول إن أغلب المواد المصنعة كانت تنتج في فرنسا، باستثناء بعض المواد الأساسية المعبأة في المغرب، ابتداء من سنوات العشرينات، كـ“السردين“ بآسفي و“الجعة“ بالدار البيضاء.
وتجدر الإشارة إلى أن الفرنسيين لم يحتكروا وحدهم السوق المغربي. ذلك أن اتفاقات الجزيرة الخضراء نصت على أن من حق كل البلدان الاستقرار بالمغرب وممارسة التجارة داخله. هكذا، دخل الألمان السوق المغربي واستمروا فيه، عمليا، حتى عام 1914. كما دخله الإسبان والإنجليز. غير أنه يمكن القول إن المقاولة الفرنسية كانت المستفيد الأكبر في المغرب بعد الأبناك، وبنفس القدر، استفاد، أيضا، الجيش الفرنسي الذي كان حاضرا باستمرار ابتداء من دخوله في عام 1903، وحتى انسحابه النهائي في عام 1961. فقد كان المغرب، في فترة ما بين الحربين العالميتين، معبرا إجباريا ومكانا لتكوين كل الضباط، الذين وجدوا في حرب الريف، للأسف، فرصة مواتية لتعلم أساليب الحرب الحديثة.
حاوره المعطي منجب
تتمة المقال تجدونها في العدد 52 من مجلتكم «زمان»