جسدت كبريات الأبناك الفرنسية المضمون المادي للحماية، إذ أسست شركات جنت كل الصفقات المجزية لبناء المغرب الحديث، وكانت “الشركة المغربية” أولى هذه المقاولات الاستعمارية.
كاد تاريخ الحماية الفرنسية، وما سبق فرضها من منعرجات، يتلخص في تاريخ بعض التجمعات البنكية الكبرى. لن يكون من المبالغة القول إن أصحاب الياقات البيضاء من كبار المستثمرين ومدراء الأبناك هم الصناع الفعليون لتاريخ غالبا ما تصدر صفحاته أصحاب البذل العسكرية والدبلوماسيون. لئن كان هؤلاء في صدارة المشهد، فإن أولئك غالبا ما يكونون في الكواليس محركين وجهة السياسة الرسمية لحكومات الإمبراطورية الفرنسية، في سياق القرن التاسع عشر حين فاض رأس المال وراح ملاكه يبحثون عن فضاءات استثماره خارج الحدود المحلية، في تلك اللحظات المؤسسة لثورة صناعية واعدة وعولمة تتمدد نحو كل الآفاق، سعيا وراء المواد الأولية والأسواق. يعرف لينين هذه الظاهرة “الإمبريالية” باعتبارها المرحلة الأعلى لتطور الرأسمالية، في مؤلفه الصادر سنة 1917 حول هذا الموضوع، ويوضح الدور الذي باتت تلعبه المؤسسات البنكية الكبرى في السيطرة على الصناعة واحتكار وتقاسم الأسواق داخل بلدانها، ثم خارج حدودها، ضاربا المثل بقطاعات الكهرباء والسكك الحديدية. لم يكن المغرب بمنأى عن هذا السياق العالمي. فعلى امتداد القرن التاسع عشر، جذب أطماع الدول الاستعمارية، وفي خلفيتها التجمعات الاقتصادية الكبرى بهذه البلدان. بحكم سيطرتها على الجزائر ومعظم إفريقيا الغربية، سعت الرأسمالية الفرنسية لضم المغرب إلى مجال نفوذها. لكن درجة المنافسة مع القوى الأخرى، وبخاصة الرأسمالية الألمانية الصاعدة كانت قوية لحد ساهم في تأخير خضوع البلاد للحماية الفرنسية.
إسماعيل بلاوعلي
تتمة الملف تجدونها في العدد 52 من مجلتكم «زمان»