تفيد إشارات مصدرية، على قلتها، استهلاك المغاربة للخمر في العصر الوسيط، منها إشارة الوزان إلى بيع الخمر في سوق أسبوعي بإحدى مناطق الريف، فضلا عن تصنيعه في مدن كفاس ومراكش وسلا وأصيلا والعرائش.
تذهب العديد من الدراسات التي تناولت موضوع الخمر وقضاياه إلى حضوره الباهت في المصادر المغربية، مما يُصَعِّبُ الخوض فيه .وإذا كانت هذه المصادر لم تبخل بإشارات ضافية عن زراعة الكروم في العديد من المجالات المغربية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وتجارتها، وإن اختلفت كثافتها من مجال إلى آخر «حسب الظروف الطبيعية السائدة ودرجة اهتمام السكان بها»، فإنها أحجمت، في الغالب، عن الخوض في تحويل تلك الكروم إلى خمور. وإذا كانت تحدثت، في سياقات مختلفة، عن استهلاك الخمور من قبل بعض مكونات المجتمع، ومحاربة السلطة، أحيانا، لذلك الاستهلاك، فإنها تكاد تسكت عن تجارة هذه المادة لكونها من صنف تجارة المحظور. ويظهر أن شبه السكوت هذا يجد تفسيره أيضا في المرجعية الإسلامية للمجتمع، وإلى كون جزء من إنتاجه كان منزلي الطابع معدا للاستهلاك الداخلي لا إلى بيعه، ولا سيما في الأوساط الريفية. اعتبر قسم من مغاربة العصر الوسيط، الذين استبطنوا الدين الإسلامي، استهلاك الخمر محرما بالنص الشرعي. ولما كان الإسلام هيمن على العديد من مناحي حياة الناس لاسيما في الحواضر حيث يوجد الفقهاء، الذين كانوا يسعون إلى تأطير المجتمع، وفق تصورهم للدين، فإن الحديث عن أماكن بيع الخمور، وفق هذا السياق، لم يكن شائعا، إذ الغالب هو عدم إشهار بيع الخمر بل التكتم ما أمكن عن بيعه، مع استثناءات تؤكد القاعدة.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 124 من مجلتكم «زمان»