اختارت فرنسا “الحامية”، بمجرد تجسيد معاهدة فاس على أرض الواقع، الجنرال هوبير ليوطي ليمثلها كمقيم عام في المغرب. وفي 13 ماي 1912، وصل ليوطي عبر باخرة إلى ميناء الدار البيضاء، بعد 43 يوما فقط عن فرض الحماية. ومن بين أولى مهامه تثبيت النظام في “المحمية”، بعدما بدا أن الفرنسيين لن يُستقبلوا بالورود.
والحال أن اختيار ليوطي فاجأ الكثيرين، بل فاجأ المعني بالأمر نفسه. إذ كان من المتوقع تعيين الدبلوماسي أوجين رينو في منصب المقيم العام، على اعتبار أنه كان هو من حرر بنود المعاهدة، وهو من وقع عليها رفقة السلطان مولاي عبد الحفيظ يوم 30 مارس 1912. كما أنه يعرف المغرب أكثر، نظرا لشغله منصب مفوض فوق العادة لبلاده في طنجة، التي حل بها، مباشرة، بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي حضره كالرجل الثاني ضمن وفد بلاده.
ومنذئذ، اشتغل رينو في الظل وسط عُش القناصل الغربية، الذين كانوا يتنافسون على من يحظى بـ”الجنة المغربية”. في الأخير، فاز أوجين رينو، وكان ينتظر مكافأته من باريس. غير أن انتفاضة الفاسيين، غداة توقيع المعاهدة، وضعت حدا لطموحاته في الإمبراطورية الشريفة.
تخوفت الحكومة الفرنسية من أن تغرق “محميتها الجديدة” في الفوضى، وارتأت أن تسند منصب المقيم العام إلى رجل عسكري مجرب ومعتاد على خوض المعارك ومواجهة التمردات.
هكذا، بدا ليوطي الرجل المناسب في المكان والزمان المناسبين. أولا، لأن المسألة المغربية ليست غريبة عنه. وثانيا، لأنه سمع الكثير عن المغاربة، من خلال تجواله على الحدود الجزائرية منذ 1907، وعرف الكثير عن عاداتهم، كما استوعب الآليات السياسية القائمة في البلاد.
لم يخب ظن رجال القرار الفرنسيين في الرجل، الذي استطاع بحنكته الجمع بين القوة والدبلوماسية والحيلة، أحيانا، لحكم بلد كان سيد نفسه لأكثر من ألف سنة.
لم يكن ليوطي يخجل من أن يقال عنه إنه “ملكي أكثر من الملك”، بل كان يفتخر بذلك، وكان لا يناقش أي إجراء يمكن أن يساعد على تثبيت النظام السلطاني، الذي ظل يتداعى له بالسهر والرعاية، إلى أن انتهى مقامه في الرباط في عام 1925.
ورغم رحيله، ظل الماريشال ليوطي أبرز من طبع الإقامة العامة الفرنسية في المغرب، إلى حد أن الكثير من المغاربة، على اختلاف الأجيال، ما يزالون يربطون بين الاستعمار الفرنسي وبين ليوطي، وكأن المقيمين العامين الذين تناسلوا وراءه لم يكونوا أبدا.
أي نتيجة
View All Result