أبدى السلطان المولى سليمان، أكثر من مرة، الكثير من الواقعية مع المبادرات الوقائية للقناصل الأوربيين بطنجة. وذلك ما تؤكده إحدى رسائله التي وجهها إليهم: “فأنتم تعرفون كيف تتعاملون مع أهل الوباء في بياعتكم ومشترياتكم، وتجعلون الدراهم في الخل، وتتحفظون كل التحفظ، والمسلمون لا يعرفون ذلك، ولا يتحفظون مثل تحفظكم منه، وذلك فيه ضرر على المسلمين وعلى قنصوات النصارى الذين بطنجة”.
غير أن حرص السلطان على التجاوب مع تدابير “قنصوات طنجة” كان يخف إذا تعلق الأمر بحجاج استطاعوا سبيلا إلى أداء الركن الخامس من الإسلام. بل إن ذلك الحرص زال، بالمرة، حين تعلق بنجليه الأميرين عمر وعلي. إذ رفض الاستجابة لمساعي القناصل كما ضمنوها في رسالة توصل بها يوم 19 ماي 1818، وأمر بألاَّ يُفْرض حجر صحي على ركاب باخرة “الطاج” التي كانت في طريقها إلى مرسى طنجة. كانت “الطاج” قد رست، أولا، بالجزائر، وكانت أخبار قد سبقت “سمعتها” تفيد أن عددا من النازلين تسببوا في تفشي وباء الطاعون هناك. لم تفلح محاولات القناصل في دق ناقوس الخطر، أمام تشدد السلطان الذي أوفد قائدين لتتبع نزل الركب الأميري يوم 22 ماي.
“يفيد سجل المجلس الصحي، في هذا الصدد، بأن الهيئة القنصلية تعرضت لضغوط قوية من طرف أمين الجمارك وعامل طنجة إلى حد أنها اقتنعت في الأخير بأن التدابير التي قد تتخذها بهذه المناسبة ستقابل حتما بالرفض، باعتبار أنها ستكون موجهة ضد ولدي السلطان، فقررت بالتالي عدم الوقوف بكيفية صريحة ضد المركب، وخلعت عن عاتقها كل مسؤولية”، وفق ما ورد في كتاب محمد أمين البزاز “تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب”.
وتنقل المصادر عن كرابر دو هيمسو، نائب قنصل السويد والنرويج، قوله إن يهوديا ،حمل أمتعة القائدين من المرسى إلى داخل المدينة، كان أول من أصيب بالوباء، وعن طريقه انتقلت العدوى إلى إحدى أخواته التي قضت يوم 25 ماي، بعد يومين من إصابتها. ثم انتشرت العدوى كالنار في الهشيم.
يقول المؤرخ الزياني: “وفي هذه السنة (1818)، بلغنا أن ولدي أمير المومنين مولاي علي ومولاي عمر قدما من الحج ونزلا بمرسى طنجة، ووجه لهما والدهما مركبا من مراكب الانجليز للإسكندرية حملهما وأصحابهما والحجاج والتجار منها، ولما نزلوا بطنجة كان ذلك سبب دخول الوباء للمغرب”، وسبب دخول جائحة لم تفرق بين الأمراء والفقراء.
أي نتيجة
View All Result