في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، كان الحسن الثاني قد ربح رهان المسيرة الخضراء. وسار خلفه في قضية الصحراء، بطريقة أو أخرى، أغلب معارضيه. أصبحت الصحراء محط إجماع وهمَّ الجميع.
حينها أراد الملك الراحل إعادة الحياة السياسية إلى طبيعتها. ومن الثابت أن ذلك لن يكون ممكنا بدون رفع حالة الاستثناء، التي عمرت طويلا، وإعادة الروح إلى البرلمان، الذي لم تشفع له مناورات الجنرال محمد أوفقير في إحيائه عام 1970.
منذ فرض حالة الاستثناء، ظلت المعركة سِجالا بين المطالبين بتكريس الديمقراطية وترسيخ الفصل بين السلط، وبين الراضين على بقاء الحال كما هو. وبين الطرفين، حرص الحسن الثاني على الإمساك بشعرة معاوية. فلم يمانع، أبدا، في طرح الديمقراطية والفصل بين السلط للنقاش، لكن وفق مفاهيمه.
“إنني قلت، مرار بعد مرار، إن الديمقراطية ليست شيئا جديدا بالنسبة لنا، بل هي العمود الفقري للمجتمع الإسلامي كما أراده النبي صلى الله عليه وسلم. ذلك أن الشورى والعمل بالجماعة هما شيئان لهما معنى خاص. ولهما مدلول في القانون والدستور. فالشورى ليست شورى استشارية، والعمل بعمل الجماعة ليس اختياريا، بل الشورى تلزم، ومن خرج عن الجماعة خرج عن الجادة”، يقول الحسن الثاني في خطابه، يوم 22 ماي 1977، عشية انطلاق الحملة الانتخابية. ثم يضيف: “إن نحن تعلمنا أن نخضع لرأي الجماعة… جعلنا مستقبلنا ومستقبل أبنائنا في مأمن من الشغب، وفي مأمن من المغامرات، ولا سيما والقرن، الذي نعيش فيه، كثرت فيه المغامرات، وكثر فيه الشغب”، بمعنى أنه لن يكون هناك مجال للمغامرين الحالمين الذين يشقون عصا الطاعة عن الجماعة.
وماذا عن الفصل بين السلط؟ يجيب الملك في نفس الخطاب: “إنك مدعو شعبي العزيز إلى اختيار عدد من مواطنيك ليكونوا بجانبي، وليكونوا السلطة التشريعية المقابلة للسلطة التنفيذية. فإذا كان هناك فصل السلط، فأنت مدرك –وأنا كذلك- أنه لا يمكن في مستواي، بل فصل السلط هو في مستوى أدنى. فالملك يحكم بلاده ويسير سياستها مستعينا بسلطتين: السلطة التنفيذية وهي الحكومة، والسلطة التشريعية وهي البرلمان”.
في ذلك الخطاب، لم يأت ذكر على السلطة القضائية، ثالث السلطات كما حددها المفكر الفرنسي مونتيسكيو في كتابه “روح القوانين”. على كل حال، زكى الحسن الثاني موقعه، كملك يسود ويحكم، ومستعينا بـ”البرلمان والحكومة” في إدارة شؤون البلاد والعباد.
أي نتيجة
View All Result