في هذا الحوار، يتحدث حسن نجمي، صاحب كتاب «غناء العيطة في المغرب»، بتفصيل عن الأدوار التي لعبتها الشيخات في المجتمع، واصفا إياهن بـ«نساء مبدعات حارسات لذاكرة شفوية، شعرية وغنائية وموسيقية ثرية من حيث مدخرات الأداء والأصوات». وحسب نجمي، فإن الشيخات ارتبطن بـ«الثقافة المحلية، بالنظام القبلي في المغرب، بالتنقلات القبلية والاجتماعية عبر التاريخ، بالعلاقة بين البوادي والمدن، وبالعلاقة مع السلطة المخزنية في الإيالات المحلية وفي المراكز».
كنت من القلائل الذين اشتغلوا حول الشيخات في المغرب، كيف يمكن مقاربة هذا الموضوع علميا وأكاديميا؟
أولا، لقد سعِدت كثيراً بكون مجلة مغربية رصينة، منطلقها إِعلامي وعمقها أكاديمي، تولي مثل هذا الاهتمام لفنانات شعبيات، يغنين ويرقصن ويمتهن أنواعاً من الموسيقى التقليدية المغربية. هذا مؤشر آخر، إيجابي تماماً، على نضج الحياة الثقافية في بلادنا. كما يدل على أن النخبة الثقافية والمعرفية بدأت تقترب من العمق الثقافي، أي من بعض الجوانب والقضايا القائمة على الخلاف والتوتر وسوء الفهم في جسدِنا الثقافي الوطني. وأظن أن هذا هو الفعل الخلاق الذي ينبغي أن تنجزه وسائل الإعلام، أن تسهم في صناعة ثقافية جادة بل في بناء المعنى وتداولِهِ. إن هذا الموضوع، رغم أبعاده اليومية التي تجعله «عمومياً» و«مبتذلاً»، يحتاج إلى قدر كبير من الرصانة والهدوء والجدية في الاقتراب والتمثل والتقديم. وبالنسبة للباحث أو الإعلامي لا يزال هذا الحقل بِكراً لم يطرق كما ينبغي وبالحجم الذي ينبغي، خصوصاً وهو يطرح علينا جملةً من الظواهر والقضايا الموضوعية تمثل في جوهرها أفعالاً تاريخية واجتماعية وثقافية وجمالية وأدبية…
مثل ماذا؟
إن الشيخات فنانات يصنعن الفرح ويتبادلنه مع الآخرين. وإذا سمحت لِنفسي بالحديث فقط عن الشيخات اللواتي يؤدين العيطة (ويمكن تعميم هذا الأمر على تعبيرات أخرى عربية وأمازيغية الأصول)، فإن الأمر يتعلق بنساء مبدعات حارسات لذاكرة شفوية، شعرية وغنائية وموسيقية ثرية من حيث مدخرات الأداء والأصوات. وعموماً، فقد ارتبطت الشيخات بثقافتنا المحلية، بالنظام القبلي في المغرب، بالتنقلات القبلية والاجتماعية عبر التاريخ، بالعلاقة بين البوادي والمدن، وبالعلاقة مع السلطة المخزنية في الإيالات المحلية وفي المراكز (فاس، مراكش، مكناس، الرباط).. وغير ذلك. وما يهمني هنا هو ما عانته الشيخات وتعبيراتهن من إِقصاء أو تهميش أو من نظراتِ تحقير وتبخيس بدت لي كجزء من نظرة ثقافية «غالبة» تجاه القبيلة التي كان يراد «قطع لسانها» بدلاً من بناء نموذج ثقافي تتصاهر فيه العناصر المتعددة في ثقافتنا، ويقوم على أنواع من التفاوض والحوار والامتصاص والتبادل بين المكونات «الفرعية» و«المركزية».
حاوره الطيب بياض
تتمة الحوار تجدونها في العدد 29 من مجلتكم «زمان»