كيف كانت علاقة المغاربة بالبحر الممتد على آلاف الكيلومترات بجانبهم؟ وهل فعلا كان المغاربة يخافون منه؟ ولماذا لا يوجد قاموس عربي للأسماك ولتقنيات البحر؟ ثم ما قصة الأسطول البحري وشهرة “قراصنة سلا” ذائعي الصيت؟ “زمان” تفتح تاريخ علاقة المغاربة مع البحر، بين مراحل خوفهم منه وبين فترات حاولوا السيطرة عليه، منذ التاريخ القديم إلى الزمن المعاصر.
رغم امتداد البحر على واجهتي المغرب لآلاف الكيلومترات ولآلاف السنين، إلا أن الكتابات العربية التي كتبت حوله تكاد تكون معدودة. فالمؤرخون المتخصصون في التأريخ للبحر يعترفون أنفسهم بقلة المراجع والكتابات حول تاريخ الساحل المغربي، الذي طالما سجل أحداثا غيرت مجرى التاريخ. ومرد هذا في نظرهم إلى تأثير “رحلات البدوي العربي” وعلاقته بالمجال الصحراوي بدلا من البحري، باستثناء بعض سكان المغرب الأولين من الأمازيغ.
في المقابل، تحبل الكتابات الأجنبية بوقائع البحر المتوسط كمجال مشترك وممر عبور بين القارة الإيبيرية وشمال إفريقيا. ويذكر المؤرخ الفرنسي الشهير بروديل، في كتابه “العالم المتوسطي”، أن البحر المتوسط «حتى القرن 16 كان ما يزال هائلا لا متناهي الأبعاد وفارغا كصحراء، لا يتنفس ولا تنشط فيه الحركة إلا على الشواطئ، وبين جزر قريب بعضها ببعض. فبحارة المتوسط كانوا لا يغامرون إلا في ما ندر، بالإبحار فوق المساحات المائية الشاسعة والبعيدة عن السواحل. والأساطيل الحربية ما كانت تقوم معاركها إلا على مسافة تتيح للعين رؤيتها من الشواطئ. أما الطرق المستقيمة التي كانت تسلكها السفن لتبحر على نحو استثنائي، في وسط البحر، فلم يكن عددها يتجاوز طرقا ثلاثا أو أربع، كانت معروفة ومألوفة منذ زمن بعيد». ويضيف أن الخوف من البحر ولا النقص في التقنية، لم يكونا وحدهما من أسباب ندرة طرق الملاحة المستقيمة، فقد كانت “المساحلة” (أي الإبحار بمحاذاة الساحل)، تجنب السفن أخطار القرصنة وتتيح لها المتاجرة بين مرافئ متتابعة. هكذا، ظل البحر الأبيض المتوسط متفوقا على جاره المحيط الأطلسي طيلة فترة امتدت من تاريخ المغرب القديم إلى حدود القرن 15، حيث سينتفض بعدها المحيط الأطلسي من أجل إعادة الاعتبار لنفسه وتكسير التمركز الدائر حول البحر الأبيض المتوسط. وستكون سواحله منطلقا للمكتشفين والمغامرين والبعثات البحرية المنظمة للوصول إلى عوالم كانت مجهولة حتى ذلك القرن. لكن ورغم ذلك فقد ظل المحيط الأطلسي ينعت بـ”بحر الظلمات”، وكان مثار فزع وغموض يهابه الجميع.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 61 من مجلتكم «زمان»