لسان شخصية كان القاضي أبو غالب المغيلي ضمن الدائرة المقربة من السلطان يوسف المريني، واطلع على أسرار سرايا القصر. “زمان” تروي على لسان المغيلي قصص الدسائس، التي كانت تحاك بين أفراد الحاشية ورجالات البلاط، كما عاشها.
لم يكن أحد من خدام الدولة المترددين على مجلس السلطان، وحتى غيرهم من أهل فاس، يجهل أسباب تلك الحظوة التي تمتع بها خليفة بن وقاصة قهرمان دار السلطان. وقد كان كثير من قضاة المخزن وكتابه ووزرائه يجدون في ماضي الأمير تفسيرا لتعاظم جاه هذا اليهودي ورياسته وعلو كعبه في الدولة، حتى إننا كنا نتلقى الأوامر منه. كان السلطان يوسف في صغره مؤثرا للذاته ومستترا بها عن أبيه يعقوب، وكان ينادم بعضا من يهود فاس، واختص خليفة هذا باعتصار الخمر له والقيام بشؤونها. وحين بويع سلطانا بعد وفاة والده، اتصلت خلواته في معاقرة الندمان، وانفرد ابن وقاصة بخلوته، ثم تعاظمت مكانته حين ولاه السلطان قهرمة داره وقضاء أموره الخاصة، ثم حاجبا ووزيرا. لذلك، كان له ولأخيه إبراهيم وصهره موسى بن السبتي وخليفة آخر، كان يسمى الصغير، وغيرهم من اليهود المقربين منه الجاه والوصاية حتى إنهم استتبعوا العِلية من القبيل والوزراء والشرفاء والعلماء.
المنصورة، قرب تلمسان، أبريل 1302
وحده الفقيه الكاتب عبد لله بن أبي مدين من كان لا يخفي تذمره من تعاظم مكانة ابن وقاصة هذا، حتى في حضرة السلطان. غير أن كثيرا من الحاضرين في المجلس ذلك المساء لم يجدوا حتى في خساسة ابن وقاصة، وهو يخاطب أحد الصلحاء، ممن جاؤوا إلى المنصورة في محاولة لإقناع السلطان بفك الحصار عن أهل تلمسان، ما يبرر تجهم وجهه وتوتره وهو يرد على سؤال السلطان عن رأيه في ما أشار به اليهودي عن ضرورة الاستمرار في حصار أهل تلمسان وتشديد الخناق عليهم.
حميد تيتاو
تتمة المقال تجدونها في العدد 45 من مجلتكم «زمان»