ما حقيقة ما ينسب للمخابرات الفرنسية من تورط في القلاقل التي شهدها مغرب فجر الاستقلال؟ إذا كان دور الجيش الفرنسي في بعضها واضحا، فإن دور المخابرات يبدو غامضا. الأكيد أن الفرنسيين سعوا جاهدين لبقاء “ديستي” في المغرب.
تنسب للمخابرات الفرنسية مسؤولية التورط في مؤامرات غامضة للحفاظ على مصالح فرنسا في المغرب بعد الاستقلال. انكشفت تلك اليد الأجنبية في بعض مؤامرات تلك المرحلة الصعبة، مثل تمرد عدي وبيهي، حيث لعب الجيش الفرنسي في المغرب دورا أساسيا في تسليح المتمردين. لكن تحديد دور المخابرات الفرنسية في ذلك الخضم يرد على العموم في صيغة تحليلات سياسية للعديد من الوطنيين وليس في صورة بيانات شافية، فطبيعة تلك المؤامرات المفترضة تجعل أسرارها بالضرورة محفوظة. من نافل القول إن أطروحة المؤامرة تفيد تعويم المسؤوليات ونسبة الأخطاء للآخرين، لكن المعطيات الموضوعية لتلك الفترة تجعل هذه الأطروحة ذات مصداقية، في حدود معينة، عندما يتعلق الأمر بالفرنسيين. من البديهي أن تستمر السلطات الفرنسية، عبر أجهزتها العلنية والسرية، في الدفاع عن مصالحها في المغرب، بعد توقيع معاهدة الاستقلال في 2 مارس 1956. فالمغرب كان بالنسبة للفرنسيين قاعدة خلفية للثورة الجزائرية، التي سعوا لعزلها تماما، وكانت أجزاؤه الجنوبية والشرقية ميدانا لثورة أخرى يقودها جيش التحرير في الجنوب ابتداء من خريف سنة 1956. فضلا عن أن مستقبل المصالح الاقتصادية والمالية الفرنسية في المغرب كان موضع صراع سياسي حاد، يفترض بداهة انخراط الفرنسيين فيه بكل الوسائل العلنية والسرية.
الأكيد أن الفرنسيين سعوا لإقناع المغاربة، في سياق المفاوضات التي سبقت التوقيع على إعلان 2 مارس 1956، بالحفاظ على إطار رسمي لاستمرار نشاط المخابرات الفرنسية في المغرب. كانت الحكومة المغربية الأولى بعد عودة محمد الخامس إلى العرش تلح على استلام كافة الأجهزة الإدارية للحماية ما دام أن البلدين يتجهان للاتفاق على إلغاء معاهدة الحماية واعتراف فرنسا باستقلال المنطقة التي كانت خاضعة لسيطرتها. بيد أن الأمر لم يكن بهذه البداهة بالنسبة للفرنسيين الذين بذلوا كافة الجهود للحفاظ على استمرار تأثيرهم في دواليب الإدارة عامة، والقطاع الأمني المجسد خصوصا في الجيش. تكشف إحدى وثائق الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي مدى الأهمية التي كان يوليها الفرنسيون لاستمرار أعينهم مفتوحة في المغرب.
إسماعيل بلاوعلي
تتمة الملف تجدونها في العدد 36 من مجلتكم «زمان»