بعد عقود من الود والتعاون بين المغرب وتونس، اختارت الأخيرة بقيادة قيس سعيد أن تهدم ما بناه أسلافه من خلال انحيازه إلى الجزائر ولما سمي بجبهة البوليساريو. لكن ما رأي السياسيين التونسيين بهذا الشأن؟ في هذا الحوار نتوقف مع أحد القادة السياسيين في حزب النهضة، رضا إدريس، الذي عاش في المغرب لفترة معينة وخبر أوضاعه وأهله، ووطد علاقاته مع أبرز القادة السياسيين فيه، من اليسار إلى اليمين والوسط، فضلا عن صداقته بالإسلاميين المغاربة بحكم المشترك الفكري بينهم. يتحدث ضيف ”زمان” عن مساره وتاريخ العلاقة بين التيارات الإسلامية، وصولا إلى الفترة الراهنة مع حدوث الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وتونس.
بعد 15 سنة على ثورة الياسمين، كيف تنظر إليها وتقيّم نتائجها؟
يمكن أن أختزل اندلاع ثورة الياسمين بتونس في لحظتين تاريخيتين كان لهما الأثر البليغ في التاريخ الوطني التونسي كما كان لهما مفعولا حيويا في ما سمي بالربيع العربي، حدثُ استشهاد محمد البوعزيزي بسيدي بوزيد بإشعال النار في جسده المُنهك يوم السابع عشر من ديسمبر سنة ،2010 وحدثُ خروج آلاف التونسيين وخاصة من نخبة البلاد السياسية والاجتماعية والفكرية يوم الرابع عشر من شهر يناير 2011 يرفعون شعار “Dégage” في وجه الديكتاتور زين العابدين بن علي. أطلق الحدث الأول صيحة الفقر والتهميش الاجتماعي للطبقة المحرومة وللشباب العاطل وللجهات المُهّمشة، وكان بذلك يرمز لنضال طويل من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية، وعبّر الحدث الثاني عن صيحة الحرية التي حُرم منها التونسيون على مدى حُكمَي الحبيب بورقيبة وبن علي، وناضلت من أجلها كل العائلات الفكرية والسياسية، ودفع الجميع في سبيلها التضحيات الجسام، تنكيلا وسجونا وتعذيبا ومنافي وهو بهذا المعنى حمل دلالة مطلب التحرر السياسي والديمقراطية. إذن، رفعت الثورة التونسية قيمتين جوهريتين، قيمة العدل وقيمة الحرية ومطلبين مُلحّين، مطلب التنمية ومطلب الديمقراطية. والحقيقة أنه بقدر ما تحقق على مسار صيحة الحرية والديمقراطية مكاسب كبرى، ظلت صيحة التنمية دون استجابة ودون إنجازات مُقدّرة ومن هذه المكاسب: إدارة الانتقال من المنظومة الاستبدادية القديمة الى المنظومة الديمقراطية الجديدة بسلمية وبحكمة وسلاسة جنبت تونس ما وقع في تجارب أخرى من فتن وعنف، وحتى حروب أهلية ما تزال تفتكُ باستقرار هذه الدول ومحيطها إلى حد الآن للأسف الشديد.. ثم إعلاء فضيلة التوافق والتشاركية الواسعة فوق منطق الأنصبة الانتخابية ومنهج حكم الأغلبية ومعارضة الأقلية في المرحلة الانتقالية، إدراكا مِنّا وخاصة في حزب النهضة أن ضمان الديمقراطية وتثبيتها وحفظ الاستقرار والتعايش أولى من التمسّك بالحكم حتى وإن كانت لدينا أغلبية عددية، خرجنا من الحكومة سنة 2014 دون حصول ثورة على الثورة ولا انتخابات جديدة غيّرت الأغلبية وإنما كُنّا نتمثّل مقولة رئيس الحزب الشيخ راشد الغنوشي فكّ لله أسره آنذاك «نفقد السلطة وقد نعود إليها ولكنّنا إذا فقدنا الديمقراطية والسلم الأهلية فلن تكون لنا لا سلطة ولا دولة ولا أمن ولا وطن».
هل عادت تونس بن علي مع مجيء قيس سعيد؟
لم تعد تونس لنمط حكم بن علي في مجالات، وعادت إلى محاكاته في مجالات أخرى وتجاوزته في مجالات ثالثة؛ لم تعد إلى منظومة بن علي، أولا في الخلط بصدد اضطهاد حركة النهضة بين مكوناتها الحزبية وبين مكونات المجتمع الدينية حيث اعتمد بن علي مقاربة إيديولوجية يسراوية في حربه ضد النهضة تقوم على استهداف مظاهر التدين والمحافظة في المجتمع باعتبارها، في نظر فلاسفته، الخزّان العميق للتّحزّب الإسلامي فيما سمي بخطة “تجفيف الينابيع“، وهي في الحقيقة جريمة حضارية أحدثت تصدّعات مجتمعية، وأفرزت نتوءات مرضية في تيار الصحوة الإسلامية من أبرزها صعود الفكر السلفي وفقهه البدوي بتعبير محمد الغزالي رحمها لله، تحول جزء منه من ما يُسمى بالسلفية العلمية إلى السلفية الجهادية.. قيس سعيد لا ينخرط في هذا المنحى ربما لأنه يراهن على الشرائح المحافظة في المجتمع التونسي ويغازلها بخطاب موغل أحيانا في التشدّد الفكري والديني حتى إنه يقف في الكثير من المواقف والآراء المجتمعية على يمين النهضة.
حاوره غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 139 من مجلتكم «زمان»