اتخذ خوارج بنو مدرار مدينة سجلماسة عاصمة لحكمهم، فجعلوها آهلة بالسكان والعمران والتجارة. فأسسوا لمجد المدينة دام قرونا إلى أن اندرست أواخر القرن الرابع عشر الميلادي.
قد تكون مدينة سجلماسة من العواصم المغربية التي ذاع صيتها طويلا قبل أن تسحب شهرتها مدن أخرى مثل مراكش وفاس .ومنذ ظهور بني مدرار في القرن الثامن للميلاد، اتخذوا المدينة عاصمة ومقرا لحكم إمارتهم، نظرا لمقوماتها الجغرافية .لكن وبسبب بعض التقلبات السياسية والمناخية، خفت نجم المدينة ولم تعد عاصمة لأي سلالة حكمت المغرب. يجمع المؤرخون، الذين تناولوا تاريخ سجلماسة، أن هناك تضاربا في الروايات حول تحديد تاريخ بنائها وحول القائم على أمر تشييدها. وبما أن المقام لا يسمح بالتفصيل والخوض في شتى الإشكالات المنهجية بين المؤرخين الأقدمين والمتأخرين، فسنحاول أن نعرض لما اتفقت بشأنه الروايات. تكاد المصادر تتفق على أن سجلماسة تم بناؤها سنة 757م على أنقاض “مدن“ سابقة. يذكر أبو عبيد البكري، رغم تعدد رواياته، أنها «بنيت سنة أربعين ومائة، وبعمارتها خلت مدينة ترغة وبينهما يومان وبعمارتها خلت زيز أيضا» .يقصد البكري الإشارة إلى وجود مدينتين كان يعتقد أنهما سبقتا سجلماسة وأنها بنيت على أنقاضهما. وفي الاتجاه نفسه، يرجح الباحث دانييل ماك كول أن يكون مجال سجلماسة آهلا بالسكان قبل بنائها، قد مضت عليهم قرون وهم يتاجرون «مع القرطاجيين ومع تجار المقاطعات الرومانية بإفريقيا الشمالية». وعن سبب تشييدها، يضيف صاحب “المسالك والممالك“، أن بني مدرار ملكوا سجلماسة «مائة وستين سنة وكان فيهم أبو القاسم سمكوا بن واسول المكناسي أبو اليسع المذكور وجد مدرار …وكان صاحب ماشية وكثيرا ما ينتجع موضع سجلماسة، فاجتمع إليه قوم من الصفرية فلما بلغوا أربعين رجلا قدموا على أنفسهم عيسى بن زيد الأسود وولوه أمرهم، فشرعوا في بنيان سجلماسة». وقد اختار أبو القاسم سمكو هذه المناطق، حسب المؤرخ حافظي علوي، «لنشر تعاليم المذهب الصفري خاصة وأن أعدادا كبيرة من عصبيته كانت متواجدة بها» .أما مؤلف “عصر الدول والإمارات“، فيذكر أن أنصار الصفرية «قدموا إلى سجلماسة بعد إخفاق حملتي عكاشة وعبد الواحد على القيروان وكثرة من قتل فيهما من الصفرية، فبحثوا لهم عن مدينة نائية يصعب وصول الجيوش القيروانية العباسية إليها، فاختاروا سجلماسة لأنها تقع في أقصى مكان بالجنوب الشرقي من المغرب الأقصى على نهر زيز والطرق المؤدية إليها شديدة الوعورة، وتكتنفها متاهات من القفار».
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 139 من مجلتكم «زمان»