تتوزع مجالات اهتمام المفكر المغربي سعيد بنسعيد العلوي بين موضوعات الفكر العربي المعاصر والفكر المغربي، الإصلاحي تحديدا. عرف الرجل بأطروحته حول صاحب ”الأحكام السلطانية” وأيضا بأطروحته حول الخطاب الأشعري ودراسة العقل العربي والإسلامي. وقد ظلت إسهاماته متوالية وغزيرة، إلى جانب اشتغاله أستاذا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط ثم عميدا لها .في هذا الحوار مع مجلة ”زمان”، نقف عند جوانب شخصية ومعرفية من مسار هذا المفكر، فيحدثنا مثلا عن مخاض تدريس الفلسفة في المغرب، والجدل حول ”تعويضها “بالفكر الإسلامي، كما قال الطاهر بن جلون وغيره .يجيب المفكر، أيضا، عن أسئلة وقضايا راهنة حول الإسلام المغربي والدولة الحديثة بين النظرية والتطبيق، ويعود بنا إلى السياسة الدينية للسلاطين ومذاهبهم الفقهية، وصولا إلى الفكر الإصلاحي لدى رواد الحركة الوطنية، الذين غابت لديهم الأسس النظرية وفق تعبير علال الفاسي. في هذا الحوار، يزيل بنسعيد العلوي الكثير من الأوهام في تاريخنا السياسي والفكري كما سنرى.
لنستهل الحوار بسؤال عام حول علاقة الدولة المغربية المعاصرة بشعار ديني بعينه، نظرا لأنك اشتغلت على هذا الموضوع طويلا. كيف تقرأ تشبث دولة حديثة بمذهب فقهي محدد بالتأكيد على العقيدة الأشعرية وعلى طريقة الجنيد السالك؟
يصح القول، إجمالا، إن الدولة في زمننا المعاصر، إما أن تكون دولة حديثة أو لا تكون. وكل الأنظمة السياسية في العالم تسير عمليا بموجب ما تمليه الدولة الحديثة من جهة النظم والمؤسسات الكبرى الضرورية للدولة الحديثة .كما أن الحياة المعاصرة تقتضي في الدولة الحديثة، من جملة ما تقتضيه، توفير الشروط الضرورية التي تسمح بتحقيق حياة سياسية طبيعية .وأقصد بالحياة السياسية الطبيعية، أولا، وجود المجتمع السياسي الفعال، وهذا من جهة أولى، وقيام المجتمع المدني بجانبه، من جهة أخرى. وأقصد بالحياة السياسية الطبيعية، ثانيا، الوجود القار والمستقل للمؤسسات الإدارية والاقتصادية، مع تمايز تام بين السلطات الثلاث التي يبرهن قيامها وفاعلية كل منها على الدولة الحديثة: السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية.
لنعد قليلا إلى بداياتك ومسارك الأكاديمي ..كيف كانت نشأتك مع العلم والمعرفة؟
عندما كنت في المرحلة الثانوية من الدراسة، في النصف الأول من الستينات، كانت همومي الذاتية تدور حول الأدب والرواية تحديدا ولم تكن هي الشعر، مثلما هو مألوف لدى الناشئين في فترة المراهقة. وفي المدينة التي نشأت بها، مكناس، كنا ننكب على التهام كل ما كان في وسع مكتبة الجامع الكبير في المدينة العتيقة أن تسعفنا به .في تلك المكتبة (أو الخزانة كما كنا ندعوها)، قرأت روايات عديدة ومتنوعة وعرفت كتابا كثيرين، عربا وغير عرب: جورجي زيدان، كرم ملحم كرم، توفيق الحكيم، وغيرهم من الكتاب العرب، كما عرفت فيكتور هيجو وبلزاك وشارل ديكنز وتولستوي.. وغيرهم من الروائيين.. قرأت أيضا من مكتبة الوالد في البيت، أو ما كان متصلا منها بالأدب. والأهم من ذلك كله، أنني كنت شديد الإعجاب وكثير التأثر بشخصية الوالد وباحترام وتقدير الناس له من حولي. والحق أن أثر الوالد كان قويا في تشكيل مساري الشخصي والأكاديمي معا.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 108 من مجلتكم «زمان»