مرت 20 عاما على الأحداث الإرهابية التي هزت المغرب يوم 16 ماي 2003. شكل هذا التاريخ والحدث محطة فاصلة في الحقل الديني بالمغرب، وترتب عنه فرض سياسة جديدة متعددة المناحي .في هذا الحوار، يجيبنا الباحث سليم حميمنات، المتخصص في الشأن الديني، عن تساؤلات عالقة ومرتبطة بحيثيات تلك الأحداث، على المستويات المجتمعية والدينية والسياسية، وكذا الأمنية.
عند التأمل في أحداث 16 ماي ،2003 نتساءل حول طبيعة تدبير الشأن الديني خلال العقود السابقة من حكم الحسن الثاني. بحكم تخصصك وتتبعك للمرحلة، كيف تصف السياسة الدينية في الفترة التي سبقت وقوع التفجيرات؟
عند تناول سياسة تدبير الشأن الديني في عهد الحسن الثاني، ينبغي استحضار السياق التاريخي الذي أسهم في إفرازها وتشكّلها، ذلك أن هذه السياسة لم تتبلور بشكل واضح وصريح إلا بعد نجاح الثورة الإيرانية سنة ،1979 والزخم والتأثير النوعي اللذان نتج عنهما مع الصعود القوي للتيارات الإسلامية التي ستفرض نفسها منذ تلك الفترة، كفاعل سياسي احتجاجي وتحدي جدّي يهدد شرعية الكثير من أنظمة الحكم في المنطقة العربية والإسلامية، بما فيها المغرب .يفسر هذا السياق التاريخي عودة الشأن الديني، منذ مطلع الثمانينات، لصدارة اهتمامات الدولة وإيلائه الأولوية اللازمة ضمن سياساتها العمومية.
تصور الملك الحسن الثاني وقراءته الاستراتيجية لتلك المرحلة كانا يدفعان في اتجاه بلورة سياسة دينية نشطة اجتهدت في ضبط الحقل الديني وهيكلة بنياته وعقلنة مكوناته وفاعليه، وذلك بما يعزّز المرجعية الدينية للدولة المغربية ممثلة في إمارة المؤمنين، مع العمل في الآن نفسه على فتح قنوات تسمح بالاستيعاب التدريجي والهادئ لموجة “الصحوة الإسلامية“، التي شكلت الحركات الإسلامية عنوانها الأبرز. ومن هذا المنظور، يمكن القول بأن السياسة الدينية خلال الثمانينات والتسعينات، راهنت، من جهة، على تقوية بنيات الإسلام الرسمي، وضخ دماء جديدة في هياكله، من خلال استقطاب وتعبئة العلماء والخطباء والأطر الدينية وإشراكها في بناء أصولية دولتية فاعلة تساعد على بناء ثقل مواز، يمكّن من ملء الفراغ والتصدي للنشاط المتنامي لتيارات الإسلام الحركي. ومن جهة أخرى، ستضطلع هذه الأصولية الدولتية بأدوار سياسية وإيديولوجية مركبة وبالغة الحساسية تجاه تيارات سياسية حزبية وقوى مدنية حداثية تعتنق رؤى وتوجهات ليبرالية كما هو الشأن مثلا بالنسبة لقضية المرأة. وسينتج عن هذا الوضع، دخول حركات نسائية حداثية وقوى سياسية تقدمية في مواجهة مباشرة مع هيئات الإسلام الرسمي والقوى المحافظة مجتمعة، وهو ما جسّده بوضوح الانقسام المجتمعي الحاد الذي رافق طرح مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية أواخر التسعينات.
هذا السياق المرتبط بمخاضات تعديل مدونة الأحوال الشخصية، فضلا عن معطيات أخرى مرتبطة باعتلاء الملك محمد السادس سدة العرش، والواقع الجديد الذي أفرزته أحداث 11 شتنبر 2011 وتفجيرات ماي ،2003 شكلت مؤشرات واضحة على أن السياسة الدينية التي ارتبطت بالراحلين، الملك الحسن الثاني ووزيره في الأوقاف عبد الكبير العلوي المدغري، قد استنفذت أغراضها وبالتالي برزت الحاجة لبلورة رؤية وتصور جديدين يسمحان ببث دماء جديدة في شرايين الحقل الديني الرسمي، يساعد على التعامل أو التكيّف مع معطيات الواقع والتحديات المستجدة للمرحلة.
وهل في نظرك كانت هناك مؤشرات دينية أو مجتمعية تدل على إمكانية وقوع تلك التفجيرات؟
يحيلنا هذا السؤال في الواقع على السجال الحاد الذي أعقب تفجيرات 16 ماي حول من يتحمل المسؤولية عن تلك الأحداث. ونتذكر جيدا كيف أن جهات إعلامية وسياسية أشارت بأصابع الاتهام لحزب العدالة والتنمية، وحمّلته ما سمي بـ“المسؤولية المعنوية“ عن تلك الأحداث، بل إن حزبا سياسيا لم يتردد في المطالبة أثناء انعقاد مجلس حكومي بحل نهائي للحزب الإسلامي .كما ارتفعت أصوات ألقت باللوم على وزير الأوقاف السابق العلوي المدغري، باعتباره مسؤولا عن فتح الباب أمام التيار السلفي، وتمكينه من اختراق نسيج التدين المغربي، مستدلة في ذلك بمجموعة من الحوادث المتطرفة التي شهدتها بعض المدن المغربية عام ،2000 والتي اتهمت بالوقوف وراءها مجموعات تكفيرية متشددة. في كل الأحوال، تؤكد المعطيات والحقائق المتوفرة أمامنا، من ناحية، أن الانفلاتات المشار إليها كانت مجرد إفرازات لحسابات أمنية وجيو–سياسية تتجاوز وزارة الأوقاف، باعتبارها الجهاز الحكومي الرئيس المسؤول عن تنزيل السياسية الدينية. من ناحية أخرى، فحوادث التطرف التي شهدتها بلادنا وبلغت ذروتها مع تفجيرات 16 ماي، التي تورط في تنفيذها شبان مغاربة نشأوا وترعرعوا في أحضان المجتمع المغربي، يمكن اعتبارها مؤشرا كاشفا عرّى إخفاق الدولة وفشل سياساتها القطاعية في توفير الحد الأدنى من الحاجيات الأساسية، وظروف العيش الكريم لبعض الشرائح الاجتماعية الهشة، التي تقطن بالتجمعات الصفيحية المهمشة، مثل حي سيدي مومن الذي قدم منه جل منفذي أحداث 16 ماي.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 115 من مجلتكم «زمان»