لم يكن عبد الرحمان المجذوب وليا مجذوبا فقط، بل كان أيضا صوفيا يحسبه البعض من الطريقة الملامتية. فما هي هذه الطريقة “العجيبة” في تاريخ التصوف بالمغرب؟
والملامتية أحد أعجب وأغرب المذاهب الصوفية. يقوم هذا المذهب على ضرورة محاربة النفس وإذلالها وتحقيرها، وذلك عبر إخفاء المريد لجميع أنواع المحاسن والقرب والعبادات أمام الناس. وفي المقابل، يظهر الملامتي متعمدا للخلق قبائح أعماله، حتى يلومه الناس على ذلك. وبهذه الطريقة يتحقق له إذلال نفسه ومحاربة عجبها وريائها. ومن هنا جاءت تسمية “الملامتية”. فإذا كان الصوفي العادي يظهر أمام الناس بمظاهر تقواه وورعه، فإن الصوفي الملامتي يخفي هذا، ويظهر كل المظاهر التي تثير سخط الناس وحفيظتهم، اعتقادا منه بأن تلك هي الطريقة المثلى لمحاربة النفس. ويصل الأمر أحيانا إلى حد قيام الملامتيين بأفعال تخالف الشرع تماما، وتعد من الناحية المبدئية في إطار المعاصي.
ويعتقد كل من عبد القادر الخلادي وأحمد الوارث أن عبد الرحمان المجذوب كان متصوفا ملامتيا. يقول الوارث: “إذا انطلقنا من تجميع وتحري دلالات التعاليم الملامتية من خلال تراجم عبد الرحمان المجذوب وقارناها بما سلف، نلاحظ ما يلي: فالنسبة للأساس النظري العام الذي بنى عليه الملامتية مسلكهم، أي لوم النفس ومعارضة أهوائها، نجد أن عبد الرحمان المجذوب كان ينحو نفس المنحى، بل بلغ في ذلك شأوا بعيدا”. ويضيف قائلا: “أما بخصوص المبدأ الثاني الأساسي في الملامتية، أي لوم الملامتي نفسه ولوم الناس إياه، فتؤكد النصوص على أن الشيخ المجذوب قد التزم بتطبيقه حق الالتزام. وفي هذا الصدد، جاء في جميع المصادر التي ترجمت له أنه كان صاحب ملامة كما كان شيخه الذي ولده في المعنى سيدي علي الصنهاجي، وشيخ شيخه إبراهيم أفحام. فكانت تجري على ظاهره أمور توحش الخلق، فيتنافرون عنه وينكرون عليه بسببها”. وحسب الخلادي والوارث، فقد كان المجذوب واعيا كل الوعي بالحالة التي يعيش فيها وبآراء الناس فيه. فقد حدث مرة أن جاءه أصحابه، قائلين: “نرى منك ما ينكره ظاهره الشرع، فإن قلنا للناس هو الشريعة خفنا من الله، وإن قلنا غير ذلك خفنا منك”. فرد المجذوب: “لا تقولوا إلا حقا، ولا تحكموا إلا بظاهر الشرع”.