رغم الشيب الذي غزا رأسه والخطوات التي أثقلها الدهر، ما يزال عبد الرحمن بنعمرو يتقدم المسيرات الاحتجاجية كشاب في العشرينات من عمره، لا يضيع أي مناسبة سياسية أو حقوقية للدفاع عن الأفكار التي يؤمن بها. لذلك، كان حاضرا في معظم المحاكمات السياسية التي عرفها تاريخ المغرب المستقل. ويطلق عليه الكثيرون لقب “شيخ الحقوقيين المغاربة”. في هذا الحوار، الذي خص به مجلة “زمان”، يعود بنعمرو إلى بدايات تسيسه في مدارس الحركة الوطنية قبل رحلة الدراسة القاسية في حلب والقاهرة، ثم الانحياز للمهدي بن بركة في مواجهة علال الفاسي، وبعدها مساره داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فالاتحاد الاشتراكي والصراع داخله مع القيادة، وصولا إلى تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
بداية، حدثنا عن نشأتك ومراحل دراستك الأولى؟
أنا من مواليد سنة 1933، في زنقة درب الحوت في المدينة القديمة في الرباط. كان والدي محافظا متدينا مؤمنا كثيرا بأهمية “المسيد”. لم يكن متعلما، لكنه حفظ القرآن كبيرا وكان مهووسا بالمطالعة. كان يقرأ تاريخ التراث الإسلامي مثل تلك التي تتناول الصراع بين الأمويين والعباسيين. كما أتذكر أنه كان يأتي لاستظهار سور القرآن أمامي. بطبيعة الحال، درست في “المسيد”، وقد تنقلت بين مسيد برادو، ومسيد بلحسن ثم مسيد بربيش. ثم جاءت مرحلة المدارس الحرة في عهد الاستعمار التي كان يشرف عليها حزب الاستقلال. وقد كانت هذه المدارس بسيطة جدا ومتواضعة على مستوى الإمكانيات، حيث كنا ندرس في الزوايا ونفترش الحصير، ولم تكن هناك مقاعد للجلوس عليها.
لم تكن هناك مدارس عصرية؟
أتذكر أن المدرسة الأكثر تقدما وتنظيما في ذلك الوقت، كانت هي مدرسة گسوس التي كان يشرف عليها أحمد بلافريج، لكنها لم تكن تبدأ إلا مع الشهادة الابتدائية، وكانت تدرس فيها اللغة الفرنسية. درست فيها لمدة أربعة أشهر فقط، قبل أن يتم إغلاقها من طرف سلطات الحماية إثر أحداث سنة 1944. بعد ذلك، عدت إلى المدارس الحرة في الزوايا، وكنا ندرس فيها القرآن، العربية، التاريخ والجغرافيا والحساب.
ألم تكن المدارس الحرة منظمة؟
لاحقا نعم، وكانت أول مدرسة حرة منظمة أدخلها هي مدرسة محمد الخامس وذلك سنة 1948، وهي المرة الأولى التي أحصل فيها على مقعد دراسي حقيقي وأتجاوز مرحلة افتراش الحصير، وهي مدرسة وقف الاستعمار ضد تأسيسها لأن الوطنيين كانوا وراءها. وحتى بعد إنشائها لم تكن تعترف بها سلطات الحماية، كما كانت ترفض الاعتراف بشواهدها.
حاوره المعطي منجب
تتمة الحوار تجدونها في العدد 62 من مجلتكم «زمان»