في أوقات المجاعات التي ضربت المغرب، دفع الجوع الناس إلى تصرفات “شاذة” وصادمة لم يعتد عليها المغاربة، أشدها قسوة: أن يبيع الآباء أبناءهم.
يبدو أن ما عالجه الكاتب الكبير محمد الماغوط في مسرحيته “كاسك يا وطن” عندما يبيع الأب فلذات أكباده من أجل لقمة العيش، لم يكن مجرد خيال مسرحي، بل حدث مثله بعيدا، وبالتحديد في المغرب في أحلك أوقاته.
يذكر أبي يزيد التمنارتي في القرن السابع عشر أنه عندما اضطرب الأمر “هاجت الفتن والأهوال وتغيرت الأحوال وانعكست الآمال، وانقلبت البادية انقلاب الرغيف وأضرت من الناس القوي والضعيف”. حينها وجد الرجال أنفسهم عاجزين عن تلبية حاجيات بيوتهم، “فهربوا عن أزواجهم لا يبالون بهن”، وسلكوا سلوكا أنانيا بشدة، إذ يأكلون في الأسواق عن أولادهم.
لكن الأمر الأشد قسوة عندما عجز هؤلاء الرجال عن توفير الطعام لأبنائهم، فاضطروا أن يتخلصوا منهم، فذهبوا بهم من أجل البيع. يورد المؤرخ حبيدة هذه الوقائع في كتابه “المغرب النباتي”، ويذكر أن نصوصا كثيرة تشهد على تجارة الأشخاص، حيث كان أرباب العائلات يبيعون الأطفال والنساء في أوقات المجاعات، وخاصة للأجانب المقيمين في المدن الواقعة تحت الاحتلال الإيبيري، مثلما وقع في مجاعة 1521، عندما صار المغاربة “يبيعون بعضهم البعض لمسيحيي الثغور بأبخس الاثمان، فكان يسلم مغربي أو مغربية مقابل سلة تين”.
من جهة أخرى، استنكر بعض الفقهاء هاته الأفعال، مثلما يذكر محمد بن عبد السلام الناصري بخصوص مجاعة نهاية القرن الثامن عشر كذلك، وبالتحديد عندما شاع أمر بيع ذوي القربى في سوس ودرعة ومراكش ونواحيها.