لم يكن في خَلَد الزوايا ولا من طبيعتها ”الإيديولوجية “في البدء، أن تتطلع إلى الحكم أو تدخل في صراع مع السلطة الحاكمة، لكن بعض السياقات الطارئة حدت ببعضها إلى أن تنافس السلاطين وتزاحمهم شرعية النفوذ والحكم.
إذا تأملنا في تاريخ المخزن/ السلطان والزوايا، سننتبه إلى أن بينهما قواسم دينية مشتركة، ستتحول إلى جوهر الخلاف، ونقصد بالأساس الشرعية الدينية، ثم وجود شخص محوري يتجمع حوله جمهور وأتباع. ومما سيذكي الخلاف بينهما، هو تغير ظروف البلاد السياسية منها والطبيعية. ظهرت مؤسسة الزوايا كما هو معلوم في خضم الاحتلال الإيبيري للثغور المغربية زمن الدولة الوطاسية، وهي فترة عرفت ضعف السلطة السياسية إزاء القوة الأجنبية. وبسبب تدهور الأوضاع، اضطلع بعض الشيوخ والصلحاء بأدوار الدفاع عن البلاد من خلال الدعوة إلى الجهاد، وحث الناس على «الوقوف في وجه العدو من أجل الحفاظ على الإسلام»، لاسيما بعد احتلال مدينتي سبتة سنة 1415 ثم سقوط ما تبقى من الأندلس عام .1492 وقد كان هؤلاء الشيوخ «يستنكرون ضعف الحكام وتخاذلهم ومهادنتهم أحيانا للعدو، وبذلك تقوى نفوذ الزوايا السياسي». في مقدمتهم الإمام الجزولي صاحب “دلائل الخيرات“، الذي استطاع حشد آلاف الأتباع والمريدين، والذي فتح عهدا جديدا لـ“التصوف المؤسساتي“ بالمغرب. وقد مات هذا الشيخ مسموما كما تورد الروايات، «بسبب المواقف التي اتخذها من الوطاسيين». من جهتها، قامت الدولة السعدية على أسس شرفاوية، أي ادعائها النسب الشريف المتصل بآل البيت النبوي. لكن امتدادها وقوتها قامت كذلك على دعم الشيوخ وأصحاب الزوايا الذين تكاثرت أعدادهم تحت عرش هذه الدولة. يذكر المؤرخ محمد حجي أن عدد الزوايا تكاثر «بتكاثر عدد شيوخ الصوفية الشاذلية وخاصة الجزولية الذين كانوا يعتبرون الأنصار الطبيعيين للدولة الناشئة».
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 140 من مجلتكم «زمان»