يتمنع التاريخ الثقافي، دائما، عن التدجين الذي يريده السياسيون. وتظل الموسيقى والإنشاد، في المغرب والجزائر، أبرز التعابير الثقافية التي تستمر في توحيد الناس.
غالبا ما يتم الحديث عن ألوان الغناء والموسيقى الشعبية في أحد أقطار المغرب الكبير على اعتبار أنها نشأت في تلك المنطقة دون الانتباه إلى أن المخيال الفني لا يخضع للتخطيط الجيو – سياسي. فمفهوم الجزائر والمغرب بل وحتى تونس أو موريطانيا دون نسيان ليبيا وربما جزء كبير من مصر ليس له وجود داخل الوجدان الممتد في التاريخ. أكيد أن السياسي يخطط الحدود على الخرائط ويضعها، لكن هذه الحدود ليس لها وجود في المخيال الشعبي .فهذا المخيال معجون بآلاف السنين من العقائد والطقوس والتاريخ المشترك، بحيث لا يمكن أن يمحوه مجرد قرار سياسي ناتج عن فترة استعمارية بطول عمر شخص. مشكلة التسمية الموجود في الخرائط الورقية هو نفسه الذي ينتقل لكتابة التاريخ سياسيا كان أم فكريا أم ثقافيا وروحيا؛ هذا الأخير يتمنع أكثر من غيره عن التدجين.
الإنشاد يتجاوز الحدود
في خانة التاريخ الثقافي–الروحي، يقع الغناء والإنشاد والموسيقى .لذا، ومع صعوبة وضع الحدود لها وتسجيلها كأصول عقارية، نرى الدول تتنازع أحقية امتلاك أصول نشأتها .وهنا وبصدد هذا النوع الغنائي، يتم الحديث، كما يشير إلى ذلك الباحث الجزائري مراد يليس الشاويش، عن العروبي بفاس والحاوفي بتلمسان وعَيُّوعْ ببلاد جبالة المغربي وبوقالا بالجزائر العاصمة ونواحيها.
كان هذا النوع من الغناء يمارس (وربما ما زال كذلك) داخل البيوت وبين النساء حصرا، وربما يحضره بعض الأطفال غير البالغين. وبما أنه كذلك، فإنه غالبا ما يكون فضاء للحرية حيث تتحرر ألسنة النساء لتنطق بما لا يمكن النطق به داخل البنية البطريكية العربية.
موليم العروسي
تتمة المقال تجدونها في العدد 87 من مجلتكم «زمان»